عثمان أبوبكر مالي
قيَّد وباء كورونا الذي اجتاح العالم حركة الناس في كل مكان، لكنه ومع ما يمثِّله من خطورة وما سبّبه من هلع هناك (قوات) لم يستطع -ولله الحمد - أن يقيّد حركتها أو يؤثِّر على أعمالها، بل زادها قوةً ونشاطاً؛ رغم أنها خط (المقاومة الأول) لهذا الوباء الكبير، بعد الإجراءات الاحترازية المشدَّدة التي وضعتها الحكومة الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-
يأتي في مقدمة هذه القوات الأطباء والممرضون والعاملون في المجال الصحي بكل فئاتهم وأصنافهم، وهم من اصطلح على تسميتهم بـ (الجيش الأبيض) والذين يصعب وصف أدوارهم وأعمالهم وجهودهم الكبيرة التي يعرفها الجميع، ويلمس مدى ما يقومون به إلى درجة المخاطرة؛ بحثاً عن إنقاذ أرواح الناس قبل الوقوع في براثن الفيروس الخطر، ويقف معهم في الجهود (جنباً إلى جنب) رجال الأمن باختلاف مسمياتهم ومهامهم وأدوارهم، والذين كشفوا بإتقان عن مدى جاهزيتهم التامة وتدريبهم الكامل للقيام بالأعمال التي تناط إليهم، غير (الأعمال التقليدية) الأمنية التي عرفوا بالبراعة فيها، ابتداءً من التصدي للعدو والإجرام مروراً بالإرهاب والمخدرات والفساد، وزادوا على كل ذلك (المشاركة) في المواجهة الدقيقة مع الوباء الخطير والإسهام في محاربته من أجل القضاء عليه ومنع انتشاره أو انتقاله بالتضييق عليه من خلال تطبيق نظام (الحجر الصحي) بقوة وصرامة على المواطنين والمقيمين من أجلهم ولمصحتهم وللقضاء على الفيروس.
فئة ثالثة ظهرت بقوة وانتشار ومساهمة فعَّالة في الحرب الشرسة والمواجهة الدقيقة تتمثَّل في (كتيبة) الإعلام الذي قدَّم نفسه بقوة وشارك بفاعلية في الجهود والخطوات من خلال القيام بدوره المطلوب، واستخدام (العقل والفكر) في التفاعل مع الجهود التي تقدَّم والقيام بمهمته من خلال (إيصال) الرسائل المطلوبة في هذه الحرب، التحذيرية منها والتثقيفية والتوعوية وغيرها، ورغم أنها حرب مقيدة إلا أن استخدام الأدوات المتاحة بالصورة العملية المعروفة عن الإعلام في أنه (مواكب للعصر) جعله ينجح في تسخير الوسائل الحديثة المناسبة للجيل والزمن والمناسبة وتطويعها لتكون حاضرة، من خلال (الإعلام الحديث) الذي يتم عبر الطرق الإلكترونية واستخدام (الإنترنت) في استقبال الرسائل وبثها وتطويع أدواته الحديثة (التطبيقات) بشكل كبير وموسع لم يحدث من قبل، مستفيداً من مميزاته الكثيرة، والتي أهمها، سهولة الوصول إليه، وسرعة بثه وانتشاره، والأهم من كل ذلك انفتاحه على كل المجالات والتخصصات والوقت (لا يحده وقت) وإنما يهمه (الغاية النهائية) التي يريد المساهمة فيها أو ما يتطلع إلى تحقيقه من أجل الإنسان تحت شعار الدولة الكبيرة (السلامة أولاً).
كلام مشفَّر
- كتيبة الإعلام تبدأ ساعة الصفر في الانطلاقة من (المؤتمر الصحفي) اليومي الذي جسَّد وقدَّم للإعلام (أنموذجاً) مثالياً آخر لدور ومهام (المتحدث الإعلامي) المتسلّح بالقدرة والمعرفة والدراية والاطلاع والتحضير وسرعة البديهة.
- ثقافة جديدة ستنشأ حتماً في المجتمع بعد الخلاص - بإذن الله تعالى - من كورونا في أمور كثيرة، وقد يكون من أهمها الإعلام خاصة الإعلام الحديث، فشيوع استخدام تطبيقاته الكثيرة، بشكل فردي وثنائي وجماعي ربما يفرض قوالب إعلامية مختلفة بعد الجائحة، خاصة في سرعة الوصول وقوة الانتشار.
- عند الجد ظهر أهمية وواقع من يمثِّلون (الإعلام الحقيقي) ويقدِّمون أدواره ويخدمون المجتمع من خلال فنونه المختلفة، سواء الإعلام التقليدي أو الإعلام الحديث، بعيداً عن بهرجة (السوشيال ميديا) وبعض مقتحميه وأيضاً بعض مشاهير التطبيقات السخيفة، بأساليبهم الدخيلة وطرحهم البليد، الذي تأكد عند الكثيرين مدى تفاهته، الأمر الذي أستوجب ضرورة وقفه والتصدي له ومنع سفهائه من الاسترزاق وقت الجائحة بطريقة متدنية.
- تزايد عدد البشر المتصلين بالإنترنت في العالم مع جائحة كورونا خلال ساعات الحظر، وازداد بالتالي الحاجة إلى طرح إعلامي حقيقي بتقديم المفيد من خلال الأخبار والترفيه والتسلية والتثقيف والتربية والتعليم والقراءة العامة والرياضة والمسابقات وحتى الإعلان، وبصراحة تحقق نجاح واضح وملحوظ، من خلال التنوّع والتفاعل وتعدد الوسائل والقنوات.
- تحدي رمضان سيكون مختلفاً، والمؤمل أن يأتي العطاء فيه متواكباً مع روحانيته، والظروف الحالية، صحيح أن الاستعداد له بالواقع الجديد، قد لا يكون كبيراً، عند بعض الإعلام، وتحديداً القنوات الفضائية، وسيكون ذلك تحدياً آخر، أثق أن إعلامنا قادر على تجاوزه والنجاح فيه، وخصوصاً أن الوقت سيكون في صالحه، فهو لن يكون مفتوحاً أو بلا تحديد، لكن المهم أن يكون مفيداً وبروحانية الشهر.. كل رمضان وأنتم بخير.