كغيرها من الأحداث الطارئة أتت أزمة فيروس كورونا بشكل مفاجئ وسريع، وهذا هو سلوك هذه الأحداث التي تتصف بالسرعة والمباغتة. وتعتمد ردة فعل وتعاطي من يواجه هذه الأحداث سواء أكان فردًا أم منشأة على خبرته السابقة أم خططه الاستباقية التي عادة ما تعد ضمن مفهوم إدارة المخاطر. إلا أن تطبيق مفهوم إدارة المخاطر يركز بشكل كبير في منشآت القطاع الخاص على المخاطر التي قد تواجهها المنشأة داخليًا، أو على المخاطر الخارجية التي لها علاقة مباشرة بعملها، ولا ترقى غالبًا إلى النظر في مخاطر الكوارث العامة سواء كانت الكوارث الصحية أو الطبيعية أو كوارث الحروب، حيث إن الاهتمام بإدارة المخاطر الذي يعنى بالمخاطر العامة غالبًا ما يكون من قبل الجهات الحكومية المعنية بالكوارث.
لكن السؤال الآن ماذا يفعل الفرد أو منشأة القطاع الخاص في حال أزمة فيروس كورونا؟
هناك إجراءات عامة يتعين على الجميع اتخاذها في وقت هذه الأزمة سواء كانوا أفرادًا أو منشآت. ومن هذه الإجراءات أولاً الحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية فقط، ثانيًا: عدم الأخذ بالإشاعات أو المساهمة في نشرها، ثالثًا: الالتزام بالتعليمات والتوجيهات الصادرة من الجهات الحكومية.
وفيما يتعلق بالإجراءات الخاصة التي يجب على الأفراد والمنشآت أن يتخذوها، فهناك العديد من الإجراءات التي يتعلق منها بالجانب الصحي أو الجانب الأمني أو الجانب المالي والاقتصادي. وهنا سأتطرق لما يتعلق بالجانب المالي والاقتصادي.
ولإدراك أهمية هذه الإجراءات المالية والاقتصادية يجب أن نعي ظروف المرحلة الراهنة من مراحل أزمة فيروس كورونا، حيث تتصف هذه المرحلة التي بدأت فيها الأزمة بأنها مرحلة ضبابية للغاية (Uncertainty Period) غير واضحة المعالم من حيث حجم وفترة التحدي، وتنتهي هذه الفترة غالبًا حينما يبدأ عدد الحالات المصابة بالتناقص خلال فترة زمنية معتبرة ويتشكل لدينا توجه انحسار.
ففي هذه الحالة الضبابية يجب على الفرد (منخفض ومتوسط الدخل) المحافظة على استقرار حالته المالية بخطوات بسيطة منها أولاً التخلص من جميع المصروفات غير الضرورية وحصرها في الضرورية فقط والمتمثلة في الاحتياجات الغذائية والطبية. ثانيًا: عدم الذهاب لمحال المواد الغذائية دون قائمة مكتوبة ومعدة مسبقًا في البيت بناء على الاحتياج الضروري والتقيد بها أثناء التسوق وعدم الانجراف وراء العروض التسويقية التي تهدف إلى خروج المتسوق بأكبر قدر ممكن من السلع. ثالثًا: الحذر كل الحذر ممن يسعون لاستغلال الأزمات لتحقيق مكاسبهم الشخصية على حساب الآخرين، كمن يسعى إلى إقناعك ببيع شيء أو شراء شيء بحجة انخفاض قيمة ما تملك مع الوقت أو ارتفاع قيمة ما ستشتريه مع الوقت. لا أقول لك لا تبع أو لا تشترِ ولكن كن يقظًا.
أما ماذا تفعل منشآت القطاع الخاص فهنا علينا أن نفرق بين القطاعات التي تأثرت سلبًا والقطاعات التي تأثرت إيجابًا بأزمة فيروس كورونا. والمحدد بين القطاعات هنا هو زيادة الطلب أو انخفاض الطلب. فالمنشآت التي تأثرت سلبًا بانخفاض الطلب على منتجاتها أو خدماتها عليها في ظل الحالة الضبابية عدم اتخاذ أي قرار له تبعات إستراتيجية تتعلق بانحسار النشاط الاقتصادي، بل يجب عليها خفض تكاليفها بما لا يؤثر على مواردها الرئيسة، والعمل على الاستفادة من قرارات التحفيز الحكومية قدر المستطاع، والعمل على إعادة جدولة التزاماتها مع البنوك كما سمحت به مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) دون أي رسوم إضافية.
أما فيما يتعلق بالمنشآت التي كان لأزمة فيروس كورونا عليها أثرًا إيجابيًا تمثل في زيادة الطلب على منتجاتها أو خدماتها كما هو الحال في قطاع الغذاء والدواء، فيجب عليها في هذه الفترة تجنب أي قرار إستراتيجي يتعلق بتوسع النشاط الاقتصادي، كزيادة خطوط الإنتاج مثلاً، أو زيادة الأيدي العاملة، فليس من الرشد أن يتخذ قرار إستراتيجي بناء على حالة طارئة غير واضحة المعالم. بل يجب رفع الإنتاج بالاستفادة من الطاقة القصوى الإنتاجية للموارد المتاحة حاليًا لدى المنشأة، أيضًا يجب عليها عدم التوسع في مصروفاتها العامة فربحية المنشأة تعتمد بشكل رئيس على كفاءة الإدارة في زيادة الإيرادات وكذلك خفض التكاليف.
ما سبق عبارة عن إجراءات للتعامل مع الحالة الآنية التي وصفناها بالضبابية (Uncertainty Period) لكن ماذا بعد هذه الحالة؟ سواء كانت المنشأة من القطاعات التي تأثرت سلبًا أو إيجابًا بأزمة فيروس كورونا، فإنه يجدر بها العمل على إعداد خطط عمل (Action Plan) للتعامل الشامل مع الأمر، بحيث يكون لكل منشأة خطط مرتبطة بشكل مباشر بعامل الوقت (الأجل القصير والمتوسط) والتوقعات (السلبية والإيجابية). بحيث تستند هذه الخطط إلى أربعة سيناريوهات يتم تحديد ملامحها وتوقعاتها من قبل المنشأة، وبالتالي يكون لدى المنشأة تصور عن نشاطها في الأجل القصير والمتوسط فيما إذا كان هذا التصور سلبيًا أم إيجابيًا ويكون لديها خطة للتعامل مع أي من هذه السيناريوهات. وأخيرًا فإن ما سبق عبارة عن أسباب يؤخذ بها، وما الأمر إلا لله فتوكل على الله وكفي بالله وكيلاً.