أنا كاتب تلك الأحرف أعمل مؤذناً بأحد جوامع الرياض، أحببت أن أصف حالي السابقة للحجر وبعده. فبالأمس وقبل استفحال فيروس كرونا 19 كنت أو أعتدت أن أدخل الجامع قبل وقت أذان كل وقت بدقائق لأفتح الأبواب وتشغيل المكيفات والأنوار في حال تأخر العامل، وبعد أداء تحيَّة المسجد أتلو ما تيسَّر من كتاب الله ريثما يحين وقت الأذان، وبين كل لحظة وأخرى يدخل مصل وحينما يقرب مني يلقي علي السلام مصحوباً بابتسامة حبية وأقابله بالمثل، وكلما كثر المصلون أحس بارتياح نفسي، فكلهم جيران ومعارف وأصدقاء. وبين فينة وأخرى أرفع رأسي والتفت يمنةً ويسرةً لأتفكَّر بهذا البيت العظيم؛ بيت الله وبما حواه (وما ظننته أنه سيهجر)، وبعد أداء الصلاة الكل ينشغل بالتسبيح والتهليل وأداء السنن، فهذا راكع وذاك ساجد يدعو ربه. أعيش كل أيامي بكل طمأنينة وسعة بال. أما اليوم وبعد استفحال هذا الوباء وتطبيق تلك الإجراءات النظامية للحيلولة دون انتشاره أكثر. ولكن وفي هذا اليوم تغيَّر وضعي عن سابقه تغيّراً جذرياً على الرغم من أن الجامع هو الجامع وأنا هو أنا المؤذن لا خلاف أقوم بواجب الأذان لكل الأوقات ولكن وحينما أخرج من بيتي لأذان الفجر حتى أدخل الجامع مسرع الخطوات وكأن هناك من يلاحقني، وحالما أدخله تصيبني الرهبة والذهول منذ تطأ قدماي داخل الجامع وأدير نظري بكل اتجاه فلا أجد أحداً غيري! فالأبواب كلها موصَّدة خلال الـ 24ساعة عدا باب واحد أستخدمه دخولاً وخروجاً فلا أرى داخل الجامع سوى الجدران والمصابيح والمتكآت وكتاب الله الحكيم.. وحقيقة أنني أرفع أذان الفجر مستبعداً (حي على الصلاة حي على الفلاح) لاستبدالهما: بصلوا في بيوتكم) وأنهي سنة الفجر وأصلي فريضتي ولكن بلا خشوع لا طمأنينة، وكأن هناك من يقول أسرع وخفِّف صلاتك والحق بأهلك, ومن شدة تألمي من هذا الوضع وجعلني المصلي الوحيد إماماً ومأموماً بهذا الجامع الذي يتسع لأكثر من ألف مصل تدمع عيناي أحياناً وربما اختنق صوتي مرات ومرات ولكن فرج الله قريب. هنا أجزم أن أمثالي من المؤذنين كثيرون وحقيقة أن هذا الوباء ربط الإنسان بربه كثيراً وأيقن أن الحياة لن تدوم لإنسان وعلينا الصبر والحذر وأن نوقن بأن مصيبتنا ستهون بفضل من الله ثم بجهود حكومتنا الرشيدة التي بادرت باتخاذ كل الإجراءات الاحترازية بشكل استباقي في الحذر من انتشار هذا الوباء مما خفَّف مصابنا حتى لقد كنا مثالاً يحتذى به بين الدول ون أقوال السلف (لا تنظر إلى من هلك كيف هلك ولكن انظر إلى من نجا كيف نجا.. والحمد لله رب العالمين.