أصبح التخطيط العمراني أو التخطيط الحضري (Urban planning) من المفاهيم الشائعة والمتداولة في الكثير من الكتب والدراسات الأكاديمية، وتتقاسمه الكثير من التخصصات العلمية التي تتخذ المدينة وإطارها العمراني موضوعاً للدراسة والبحث، كالجغرافيا والهندسة المعمارية، وهيئات التخطيط العمرانية، وعلم الاجتماع الحضري وعلم الاقتصاد، وغيرها، على الرغم من أن تخطيط المدن ليس وليد اللحظة الراهنة، بل يضرب بجذوره الفكرية في الحضارات القديمة، التي عُرفت مدنها شكلاً من أشكال تنظيم المجال الحضري وتوفير الخدمات لسكانها.
وتعتبر الثورة الصناعية في منتصف القرن الثامن عشر في أوربا، من أبرز العوامل التي أدت إلى تطوير التخطيط الحضري سواء على المستوى النظري أو على مستوى الممارسة، حيث نتج عن هذه الثورة نزوح ريفي إلى المدينة، وزيادة طبيعية للسكان بسبب تحسّن الأوضاع الاجتماعية، مما أدى إلى نمو حضري سريع لم تعرف البشرية له نظيراً، حيث انتقلت فيه أحجام المدن في مدة لا تزيد عن القرن إلى الملايين بعد أن كانت لا تتجاوز بضعة آلاف، وأسهم التطور العلمي والتكنولوجي في تحسين ظروف النقل والمواصلات التي أدى إلى توسع المدن خارج حدودها التي رسمت لها.
أدى هذا النمو الحضري إلى تكدس السكان في المناطق الحضرية، وتولَّدت عنه العديد من المشكلات الحضرية، كتلوث البيئة الحضرية، والنمو العشوائي، وظهور الأحياء السكنية المتخلفة، وتزايد معدلات الجريمة والاكتظاظ السكاني، وغيرها، مما دفع القائمين على شؤون هذه المدن في بدايات القرن العشرين إلى التفكير في التخطيط بأسلوب علمي للتحكم في النمو العمراني وتوجيهه، وتفادي المشكلات الحضرية الناجمة على التعمير العفوي والفوضوي.
ومن هذا المنطلق، ظهرت العديد من النظريات التخطيطية للمدن، كنظرية المدينة الحدائقية Garden City عند المخطط البريطاني هوارد Howard الذي وضع أساس ما يُعرف بالمدينة الحدائقية تصميماً وتنفيذاً في كتاب صدر له عام 1898 باسم المدن الحدائقية وطبّقت أفكاره في بعض مدن العالم مثل لندن، ونظرية مدينة الغد عن لكروبوزية (Le Corbusier)، وغيرها، كنماذج عمرانية تخطيطية تحاور رسم ملامح مدينة المستقبل التي يجب أن تتوافر على كل متطلبات الحياة الحضرية المعاصرة، ورافقت هذه الأفكار التخطيطية العديد من التشريعات القانونية الحضرية، وميلاد العديد من الأجهزة الإدارية التي أصبحت وظيفتها الرئيسية تخطيط المدن، وانخرطت الجامعات والمراكز البحثية في تطوير النظريات والمفاهيم في مجال التخطيط الحضري، وركَّزت في البداية كل جهودها على تحسين الإطار المادي العمراني، وإضفاء البعد الجمالي على عمران المدينة.
ويُعرف التخطيط بشكل عام بأنه أسلوب موجه وعمل منضبط يهدف إلى وضع الخطط للاستفادة من كل الطاقات المتاحة ضمن الدولة من خلال الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية والبشرية والتوجيه الواعي لها لتحقيق أهداف اجتماعية ضمن إستراتيجية مقرَّرة وخلال مدة زمنية محددة.
ويهتم التخطيط بإعداد خطط حضرية للمدن مجتمعة أو منفردة وهو بهذا يتألف من اتجاهين يهتم الأول بوضع الخطط على مستوى المدن في الدولة أو إقليم معين منها، فيما يدرس الثاني مدينة واحدة؛ وذلك بوضع خطط لمجمل فعاليات المدينة من حيث توافر أماكن العمل والسكن والخدمات الأساسية الأخرى.
ويمثِّل التخطيط العمراني التكوين النهائي للمسكن والمدارس وطرق المواصلات والمراكز الصناعية والتجارية والمتنزهات والعناصر المتعدِّدة للبيئة الحضرية بحيث تكون أكثر عطاءً وإنتاجيةً وملائمة للجميع والنتيجة الثلاثية الأبعاد لذلك تجمع بين الجانب المعماري والتصميم المدني وجمالية المشهد الحضري.
ويمثِّل المنتج النهائي للتخطيط التكوين الفيزيقي الذي نعيش فيه بكل ما يحمله من مكونات كالإسكان والخدمات والمرافق العامة... إنها تعكس عطاء وإنتاجية الجهات الداخلة بصناعة المكان.