محمد سليمان العنقري
حزم التحفيز والمبادرات التي أطلقتها الدولة بعد جائحة كورونا لتكون جدار حماية حصيناً للاقتصاد الوطني شملت جوانب عديدة وبتكاليف تتخطى 200 مليار ريال من خلال ما أعلنته وزارة المالية عن حزم تحفيز بلغت 70 مليار ريال، وكذلك ما أعلنته مؤسسة النقد بحزم بلغت 50 مليار ريال، بالإضافة لحزمة إضافية بلغت 50 مليار ريال تشتمل على دفع مستحقات للقطاع الخاص، وما اعتمد لوزارة الصحة من مبالغ إضافية ضخمة لمواجهة الوباء للحفاظ على صحة المجتمع، ويُضاف لكل ما سبق مبادرات دعم استقرار سوق العمل واستدامة التوطين لتساهم بمنع فقدان الوظائف للمواطنين.
فرغم خطورة هذه الأزمة العالمية غير المسبوقة والتي تسببت في تعطيل العديد من الأنشطة الاقتصادية محلياً وما يمكن أن يلحق من ضرر بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة تحديداً والتي غالباً ليس لديها القدرة على الاستمرار مع توقف أو تقلّص حجم أعمالها فإن الدولة قامت بالعديد من الإجراءات لحماية هذه المنشآت والاقتصاد بشكل عام من خلال مساعدتها على الاحتفاظ بما لديها من سيولة تعوِّض نقص التدفقات النقدية عندها، بل وتوفير مسارات تمويل أيضاً لها وتأجيل دفعات لقروض ورسوم لفترات زمنية مناسبة وكافية لدعم مركزها المالي، لكن ذلك ليس كل شيء فقد أعلن عن حزم ومبادرات تحفيزية لحفاظ المنشآت على موظفيها وتحمّل جزء من الأعباء المالية المتعلِّقة بأجورهم من قِبل الدولة من خلال نظام ساند الذي طبّقت فيه أنظمة بشكل استثنائي وبأمر ملكي كريم بحيث يدفع 60 في المائة من راتب أي موظف سعودي لجميع العاملين بمنشأة لديها خمسة موظفين أو أقل و70 في المائة من الموظفين في أي منشأة تضم عدداً أكبر من خمسة موظفين ولمدة ثلاثة شهور مما يخفِّف كثيراً من نفقات المنشآت وبنفس الوقت يدعم استقرار سوق العمل بحفاظ الموظفين على وظائفهم، كما شملت القرارات تحمّل رواتب المواطنين المسجّلين بهيئة النقل ممن لا يتبعون أي منشأة وهو ما يدعم هذه الفئة التي تعطّلت عن العمل، فهذه المبادرات تدعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للعاملين بالقطاع الخاص ممن تعطَّلت أنشطتهم مؤقتاً.
كما أن التعديلات التي أقرتها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية القاضية بتقييد استخدام الفقرة 5 من المادة 74 من نظام العمل والمتعلِّقة بالقوة القاهرة تعد استكمالاً مهماً لحماية سوق العمل؛ فهي حققت عدالة وتوازناً بين طرفي العلاقة بإضافة بنود للمادة 41 من النظام، فهي منعت فصل الموظف المواطن وذلك من خلال منح مرونة كافية للحفاظ على عقود العمل، فالمنشأة يجب أن تعرض على الموظف أحد ثلاثة خيارات إما أن يصبح الراتب مناسباً مع ساعات العمل بعد تخفيضها المؤقت للظروف الاحترازية أو منحه إجازته السنوية أو الحصول على إجازة استثنائية وإذا حصلت المنشأة على إعانة من الدولة مما أقرّ بسبب الجائحة فلا يحق لها فصل الموظف المواطن كما أن تقييد الفقرة المتعلّقة بالقوة القاهرة واستخداماتها تمنعها من فصل الموظف وعليها الالتزام بما ورد من تعديلات أو إضافات استثنائية لمواد نظام العمل، ومع تحمّل الدولة لنسبة من راتبه بنظام ساند وكذلك مبادرات قدَّمها صندوق هدف تصبح مبررات إنهاء عقود أي موظف مواطن غير مبرَّرة في الفترة الحالية والقادمة وفق ما حدد من مدد بمبادرات دعم القوى العاملة الوطنية بالقطاع الخاص، أما بما يخص الوافدين فقد أصدرت الوزارة قراراً يسمح للمنشآت المتعطِّلة ولديها فائض عمالة أن تقوم بالسماح لها بالعمل لدى منشآت زادت أعمالها وتحتاج لعمالة من خلال بوابة أجير وهو ما يخفِّف كثيراً من التزامات تلك المنشآت وفي الوقت نفسه يسمح لمن يحتاج لعمالة ولا يمكنه الاستقدام حالياً بالحصول عليها من السوق الداخلي.
هذه المبادرات التي تهدف لحماية سوق العمل سيكون لها أثر إيجابي كبير يظهر تحديداً بعد زوال هذه الأزمة بأن حافظت الكثير من المنشآت على رأس مالها البشري دون تحمّل أعباء رواتبهم ومزاياهم التعاقدية خلال فترة التعطّل وهذا سيعين تلك المنشآت على العودة للعمل من جديد وهي بوضع ملائم وبأضرار محدودة تم استيعابها بفضل ما قدَّمته الدولة من تحفيز ومبادرات تنظيمية لتمكين القطاع الخاص من الصمود في مواجهة هذه الأزمة التي ضربت العالم من شرقه إلى غربه.