اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
(المملكة العربية السعودية، هي يد الخير الطولى للعالم أجمع).. ربَّما يجهل كثيرون أن صاحب هذه المقولة الشهيرة التي طالما تناقلها الصحفيون والإعلاميون وحتى كثير من المسؤولين، هو سيدي الوالد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، - حفظه الله ورعاه-، الإداري المحنك، السياسي البارع، الأديب الأريب، المثقف المبدع، المؤرخ العارف.. أو قل أنه القائد الشامل كما يحلو لمحدثكم أن يصفه.
أجل، أن بلادنا نبع خير للعالم أجمع لا ينضب إلى قيام الساعة إن شاء الله؛ ولعمري تلك مقولة حقيقية، تعبر عن واقع بلادنا الذي ينبع من صميم رسالتها، فقد شرَّفها الله سبحانه وتعالى فاختارها موضعًا لأول بيت وضع للناس في الأرض، كما بعث منها آخر رسله رحمة للعالمين، الأمر الذي رتَّب على قادتها الكرام وشعبها الوفي، تحمُّل أعظم رسالة وأسماها في إعلاء كلمة الله، وخدمة الإسلام والمسلمين حيثما كانوا، والسعي لتحقيق خير البشرية أجمعين، بصرف النظر عن اللون والجنس أو اللغة والعقيدة؛ وهذا هو دأب بلادنا منذ بزوغ فجرها الأول، وسيظل هو نفسه ديدنها إلى إلا بد إن شاء الله؛ فرسالتنا هي تعمير الأرض بالخير والمحبة والسلام والأمان والاطمئنان، وليس خرابها وتدميرها وترويع الآمنين العاملين لخير الناس بالصواريخ البالستية وأسلحة الدمار الشامل، كما يفعل الإيرانيون عبر عملائهم - وللأسف الشديد، نحن أقرب إلى أولئك العملاء في العراق وسوريا ولبنان واليمن من إيران، بحكم الدم والتاريخ والجغرافيا واللغة والثقافة والمصير المشترك.. لكنها على كل حال، النظرة الضيقة، والمصلحة الشخصية، وقبل هذا وذاك، الجهل المطبق.
وعلى كل حال، يصعب حصر ما تقدمه (يد الخير الطولى) للعالم في مقال سريع كهذا، إن لم يكن يستحيل. ولهذا أكتفي هنا بإشارة سريعة لما يقدمه (مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية)، الذي له اليوم نحو ألف مشروع خيري في خمسين دولة في العالم تقريبًا، لدعم البنية التحتية في تلك البلدان، ومن ثم مساعدة الفقراء على تحمُّل أعباء المعيشة من خلال تأسيس مدارس ومعاهد وجامعات ومستشفيات ومراكز صحية لتقديم الرعاية الأولية، وطرق وجسور وآبار للسقيا وشبكات صرف صحي، ومشروعات اقتصادية طموحة توفر تغذية راجعة للمحتاجين... إلخ؛ فضلاً عن استضافة بلادنا للملايين من الأشقاء المهجَّرين قسرًا من الإخوة السوريين واليمنيين والروهينغا وقبلهم الإخوة الفلسطينيين؛ إضافة لتوفيرها فرص عمل لوافدين من أكثر من مائة دولة في العالم. فقولوا لي بربكم: من يقدر على فعل هذا كله وغيره كثير مما لا يسمح المجال لسرده غير (يد الخير الطولى في العالم)؟!.
واليوم، عندما هجم فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19) على الدنيا والناس نيام، فاجتاح العالم من أقصى الشرق حتى أقصى الغرب، واختلط الحابل بالنابل بعد أن أثبت هذا الفيروس الغريب الخطير هشاشة النظام الصحي في الغرب لدرجة اكتظت فيها المستشفيات العامة والخاصة بالمصابين؛ وبصراحة لأول مرة في حياتي أشاهد مرضى وهم طريحو الأرض على البلاط في مستشفيات أوروبا، كما أنها المرة الأولى أيضًا في حياتي التي أشاهد فيها بعض أعضاء الفرق الطبية في أمريكا وهم يرتدون (أكياس النفايات) أعزكم الله، لعدم توافر معدات الوقاية الطبية اللازمة، بل لأول مرة في حياتي أرى بعض المصابين بهذا الوباء ينقلون عبر عواصم أوروبا من هذه العاصمة إلى تلك بحثًا عن إمكانية الرعاية الطبية اللازمة.. فمات الناس هنالك بالآلاف حتى ضاقت بهم المقابر، فشاهد الجميع عبر الفضائيات سيارات حمل الجثث تنقل الموتى ليدفنوا خارج المدن والبلدات في مقابر جماعية أو حتى ليحرقوا.
فسقطت أقنعة الاتحادات الوهمية في الغرب بعد أن أكَّد هذا الفيروس أنها لم تكن وحدة حقيقية أبدًا، بقدر ما كانت اتفاقًا أُبْرِم بليل لاستغلال العرب والمسلمين وغيرنا ممن يطلقون عليهم (العالم الثالث) من الشعوب المغلوبة على أمرها؛ لتفريق كلمتنا وشق صفنا بهدف ابتزازنا لنبقى إلى الأبد موردًا غنيًا لاحتياجاتهم من المواد الخام، وسوقًا رائجة لصناعاتهم، بما فيها أسلحة الموت والدمار التي تمثل المصدر الأساسي لدخل كثير من دول الغرب.
فساعتئذٍ لم يجد العالم غير رجل واحد قادر بإذن الله وتوفيقه على مد يد العون للمنكوبين في كل مكان، ذلكم هو سيدي الوالد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الذي ترأس بلاده مجموعة العشرين الكبار (G 20) في دورتها الحالية. فدعا - حفظه الله ورعاه- في 23 - 7 - 1441هـ، الموافق 18 - 3 - 2020م، إلى اجتماع قمة استثنائية افتراضية لقادة مجموعة العشرين لبحث سبل مواجهة هذا الوباء العجيب الغريب الخطير.
ومن مكتبه العامر في رياض الخير والعز والفخر والصمود، ترأس الملك المفدى سلمان القمة التي عقدت في 2 - 8 - 1441هـ، الموافق 26 - 3 - 2020م، وضمَّت أيضًا بعض دول من خارج المجموعة مثل سويسرا، سنغافورة، إسبانيا والأردن، كما ضمَّت منظمات عالمية وأخرى إقليمية أهمها منظمة الصحة العالمية. فسارع الملك سلمان إلى تهدئة روع القادة، مؤكدًا لهم قدرة المجتمع الدولي، إن صدقت النوايا واتحدت الجهود في محاصرة الوباء في أضيق نطاق ممكن، والحد من تأثيراته الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية من خلال تعزيز التعاون في تمويل أعمال البحث العلمي الجاد والتطوير التقني، سعيًا لإيجاد لقاح لهذا الفيروس الذي حيَّر عباقرة الطب في العالم، ومن ثم العمل الدؤوب لإيجاد علاج ناجع له، وأيضًا لما يمكن أن يستجد لا سمح الله، مستقبلاً من أوبئة أكثر غرابة وأكثر خطرًا وأشد فتكًا بالإِنسان.
كما أكَّد الملك سلمان مسؤولية الكبار في مد يد العون للدول النامية وتلك الأقل نموًا لتعزيز قدراتها الذاتية من خلال تهيئة البنية التحتية لمساعدتها في التغلب على هذه الأزمة وتبعاتها، لقناعته الذاتية بضرورة محاربة الوباء أينما كان، فالمسؤولية اليوم جماعية بالضرورة.
من جهة أخرى، أشار مقامه السَّامي الكريم في كلمته الافتتاحية في تلك القمة التي تُعَدُّ القمة الأهم في تاريخ منظمة الـ(G 20)، في سابقة هي الأولى من نوعها، أشار الملك سلمان إلى ضرورة العمل الجماعي من أجل حماية اقتصاد العالم مما يمكن أن يترتب عليه إثر انتشار هذا الوباء الخطير.
أما فيما يتعلق بضرورة محاصرة الوباء داخل المملكة، فلم يكن لقائد (يد الخير الطولى للعالم أجمع) أن يغفل واجبه الأول في رعاية شعبه، إِذ اتخذت القيادة الرشيدة منذ الساعة الأولى للإعلان عن ظهور الوباء في ووهان الصينية، إجراءات عديدة فعالة ذكية على كافة المستويات، وعبأ المليك المفدى كل أجهزة الدولة المعنية للتصدي للوباء وخنقه قبل وصوله واستفحاله لا سمح الله؛ وخصَّص مليارات الريالات لدعم القطاع الخاص ومساعدته في تجاوز المحنة؛ فضلاً عن حزمة التسهيلات العديدة غير المسبوقة تلك، التي أقرها - حفظه الله- للاخوة الوافدين الذين يوجودون أثناء هذه الفترة خارج المملكة؛ بل أكثر من هذا: أمر بتقديم الرعاية الطبية اللازمة لكل المصابين بهذا الوباء من الإخوة الوافدين، سواء المقيمين نظاميًا أو أولئك المخالفين لنظام الإقامة والعمل أو حتى أولئك الذين دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية، دونما ترتيب أي مساءلة نظامية بحقهم، أسوة بالمواطنين السعوديين.. لا فرق في هذا بين سعودي وغير سعودي؛ فيما اضطرت الدول التي تسمى نفسها (دولاً عظمى) لتقديم الرعاية الطبية لمصابي الكورونا من الأطفال والشباب فقط، وتركت كبار السن حتى من مواطنيها الأصليين يعانون سكرات الموت، لافتقار نظامها الصحي للمعدات اللازمة للعناية بأولئك الآلاف من مصابيها. وهو المصير نفسه الذي تركت إيران مواطنيها من كل الفئات العمرية يواجهونه، فيما خصَّصت إمكاناتها لدعم أذنابها في اليمن لطعن (يد الخير الطولى في العالم) في ظهرها، حتى في هذا الوقت الحاسم الذي تساعد فيه المملكة العالم للتغلب على هذا الوباء الغريب العجيب الخطير.
ومهما يكن من أمر، فهذا الوباء واضع بصمته على العالِمَ لا محالة، وقطعًا، سيكون عالم ما بعد كورونا غيره ما قبلها..، متمنيًا أن يكون في الأمر جرس إنذار حقيقي يتعامل معه العرب والمسلمون بكل جديَّة وصدق وإخلاص، فيغسلوا قلوبهم مما ران عليها من حقد وحسد ومؤامرات وكره وضغائن، ما كان لها أن تكون بين إخوة الدم والعقيدة لولا خبث الغرب وهوان العرب والمسلمين. فلنعمل سويًا من اليوم بقلوب ملؤها الصدق ونيَّة خالصة لنستعيد نحن الدور من الغرب، فنصبح فعلاً كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر؛ كما أرجو صادقًا ومقدرًا من الجامعة العربية أن تتحلى - ولو لمرة واحدة في تاريخها - بالشجاعة المطلوبة، فتحل نفسها وتعمل مع بقية المنظمات العربية والإسلامية لاستعادة أمجادنا الغابرة وتحقيق معنى الأمة الواحدة؛ إِذ تكفي تلك القرون التي ساعدنا فيها - نحن العرب والمسلمون - الغرب بمحض إرادتنا لاستغلالنا وتدمير بلداننا.
وعلى كل حال، نحن هنا في (يد الخير الطولى للعالم أجمع)، في مملكة الخير، ديرة عبدالعزيز، لا يزعجنا طيش الجهلاء، ولا يخيفنا تهديد الأغبياء، ولا يثير حفيظتنا ذم المرتزقة المأجورين، مثلما لا يطربنا حتى ثناء الأوفياء المخلصين، مع جزيل شكرنا وصادق تقديرنا لهم... وسنظل (يد خير طولى) لشعبنا وللعالم أجمع إن شاء الله إلى الأبد، لأن الأمر عندنا موضوع رسالة عظيمة ومسؤولية جسيمة ومسألة مبدأ نرخص كل شيء من أجله حتى الروح والدماء.. فاللهم أحفظ قادتنا الكرام البررة، وبلادنا الطيبة الطاهرة المباركة، وشعبنا الوفي النبيل، وأدم علينا نعمك حتى نلقاك وأنت راضٍ عنَّا.