عبدالوهاب الفايز
الأزمة الحالية أدخلتنا في تطبيقات الاقتصاد المعرفي والرقمي بشكل واسع، وأصبح من اليسير على الناس فهم ماذا يعني هذا العالم الجديد، ولم يدركوا أنهم المستهلكون المدمنون حين ينكبون باحثين في جوالاتهم عن المحتوى المفيد وغير المفيد. والصناعات التي سوف تنجو وتزدهر من الأزمة الراهنة هي صناعة المحتوى بأنواعه، فأمامها فرصة استثمارية عظيمة، بالذات الشركات أو المنصات الرقمية التي تخصصت في إنتاج وجمع المحتوى، مثل NetFlex وغيرها، وحتى الصحف التي اهتمت بالأزمة توسع الآن سوقها وفرصها الاستثمارية.
هذا التطور الإيجابي أبرز أمورًا تحتاج إلى عناية الحكومات في العالم واهتمامها لتتحقق (العدالة) والمساواة في التعليم أو الاستثمار مثل ضرورة وجود البنية الأساسية لاقتصاد المعرفة بالذات انتشار خدمات شبكات نقل البيانات لتحقيق الاستفادة من فرص عصر النفط الجديد.
ما يهمنا هنا وضع التعليم والتدريب في المملكة، فمعطيات التواصل الرقمي سهلت استمرار التعليم والتدريب وعدم انقطاعها، وطبيعي عدم تحقق الجودة كما نتطلع إليها، فهناك عوائق فنية وتنظيمية، وأيضا هناك (الأمية التقنية) لدى فئات من الطلاب، ولدينا البيئة المدرسية البعيدة عن محيطها الخارجي، خصوصاً في القرى والأرياف والمدن التي عادة لا تكون الخدمات الرقمية فيها بالجود والانتشار الذي نتطلع إليه.
لنتجاوز العوائق ونستعد للاستفادة من الثورة الرقمية لتعظيم الفائدة في التعليم، نحتاج (تشكيل فريق مختص) من جهات حكومية ومن القطاع الخاص لكي ينظر في مستقبل التعليم والتدريب الرقمي الإلكتروني، للنظر في الأمور الحيوية الضرورية لتحقيق الجودة، ولنضمن عدم تأخرنا في بناء قدرات المواطن السعودي، وتنمية البيئة المحفزة للاستثمار في اقتصادنا. هناك أمور مثل:
أولاً - ما هو المستوى المهاري والمعرفي المطلوب توفره للطلاب للتعامل مع تقنية الاتصالات والبرمجيات؟، فهل الطلاب في القرى والمدن الصغيرة لديهم نفس المستوى المتوفر في الحواضر الأساسية للتنمية؟.
ثانياً - ما مدى جاهزية البيئة التعليمية لتقديم التعليم عن بعد، مهارات الموارد البشرية في مختلف المستويات.
ثالثًا - مدى توفر شبكات الاتصالات وتغطيتها بالسرعة والسعة الضروريتين لتحقيق تواصل مستقر، ويضمن التوسع في استخدام المواد الرقمية المساعدة في التعليم والتدريب. (بعض الدول بدأت إدخال التعليم الرقمي كجزء من التعليم العام).
رابعًا - هناك أمر مهم، وهو ضرورة البدء بوضع تنظيم جديد لحوكمة الاشتراطات والضوابط لـ(الاعتراف بالشهادات) والمواد الدراسية التي تقدم عبر التعليم عن بعد، فالعالم يتجه إلى هذا المسار والأفضل أن نستعد للمستقبل لأن التعليم سيكون حالة وحاجة مستمرة، وهناك دول سبقت في حوكمة هذه العملية التعليمية، وتجربتهم متاحة للاستفادة منها، والبناء عليها.
خامساً - هل التركيز على التعليم المتزامن أو التزامني عامل يحد من التوسع في برامج التعليم والتدريب ويحرمنا الاستفادة من طفرة التعلم عن بعد؟.
هذه بعض الأمور التي نتمنى الاهتمام بها، بالذات (توفر البيئة الرقمية العادلة والمناسبة لجميع الطلاب). وأجزم أن المسؤولين والمختصين في المركز الوطني للتعليم الإلكتروني، لديهم التقييم الأفضل، فالمركز لديه (المؤشر الوطني للتعليم والتدريب الإلكتروني) الذي يقيس سنوياً الحالة الراهنة للتعليم الإلكتروني في المملكة. وبما أن المركز هدفه تعزيز الثقة في برامج التعليم الإلكتروني، الأوضاع الجديدة تقدم الفرصة لتعظيم دوره ودعمه وتمكينه، لكي يواصل دراسة التجارب الناجحة في التعليم الإلكتروني، وأيضاً نحتاج معرفة تقييمه لمدى تفاعل الطلاب ومشاركتهم في الشهرين الماضيين، وأيضاً ضروري معرفة متغير التكلفة المالية على الطالب، أي تكلفة البيانات وتوفر الأدوات الرقمية.
الأوضاع الحالية تعطي الفرصة لنستوعب أهمية التعليم الإلكتروني، وأجزم أن المختصين في هذا الحقل وجدوا صعوبة للتعريف بحقلهم الجديد. ولكن بعد رؤية تطبيقاته على الواقع، وبما أن (الحكم على الشيء فرع عن تصوره)، لعلنا ندرك الآن الفرق بين التعليم عن بعد والتعليم الرقمي الذكي.. الفرق بينهما كبير جداً!
وزير التعليم طمأننا حين أكد أن (التعليم الإلكتروني بعد أزمة كورونا لن يكون كما هو الحال قبلها، وسيكون للمركز دورٌ أكبر خلال الفترة المقبلة، خاصةً مع المستجدات الأخيرة، ومع التوجه العالمي المتسارع للتعليم الإلكتروني).