د. خيرية السقاف
كثيرًا ما أشفقنا على عامل رث المظهر، كسير النفس، حين تقف إليه ترثى لحاله، يتأخر عنه راتبه، قليل لا يفي بكبد غربته، ورهق مهنته، وحين يحدث أن تكون في طريقك في الصباح الباكر لعملك، غالبًا ما تشاهد أكداساً منه ورفقائه، وزملائه في المهنة في صندوق حافلة، أو عربة نقل كبيرة، يتلحَّفون أغطية رؤوسهم، على وجوههم البؤس، وكأنهم لم يشبعوا نومًا، ولم يحصدوا راحة تكفي أجسادهم المنهكة، أو يتناولوا غذاء جيدًا يمنح أجسامهم القوة، والعافية، وكثيرًا ما كتبنا عنهم، وكثيرًا ما ناشدنا في شأن العناية بهم مؤسسات مهنهم، فهم صورة لمن يستقدمهم ولا يعنى بهم، ويكفلهم ولا يتكفَّل بهم..
كان من الواضح أن شأن إسكانهم لا يقل ضيقاً عن حافلات نقلهم لمواقع أعمالهم، بل هناك كثير منهم زهيدة رواتبهم، وقد يماطل مكفولوهم ولا يوافونهم بها في موعدها نهاية كل شهر، ومنهم من يحسم منها نظير أي خطأ يقع فيه، وهناك من يسرِّحهم ليوافوه بمقابل شهري..
حتى جاء العزم والحزم، ووضعت الشروط التي تليق بحقوق العمالة، وتفرض لحقهم أن ينفذ، ولإنسانيته أن تراعى..
ولعل أهلية مساكن العمالة ظلت في قائمة العناية لدى القيادة، ولدى مسؤولي الصحة في الحالة الراهنة، وذلك بالحث على تحسينها، وسعتها، وإعطاء كل عامل حقه في المعاش المريح، والنزل المتوفر فيها شروط الراحة، والسلامة، والنظافة..
وإن مبادرة الأمير الدكتور فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينة المنورة التي خصت مساكن العمالة في المنطقة بعد المتابعة بالإنجاز هي مبادرة فاعلة، وهامة، وضرورة قائمة، وتأتي ضمن مشاريع الإمارة لتحديث وتطوير المنطقة ومَن فيها، ولمنح هذه الفئات حقها في العيش الكريم..
هذه المبادرة بإنشاء مساكن نموذجية لفئات العمالة المختلفة بحيث تتوفر فيها جميع تلك الشروط في السكن الصحي المريح والآمن تعيد بلا شك صياغة ثقافة التعامل مع هذه الفئات، تتيح لهم المعيشة السليمة، المريحة، النظيفة، وتوفر لهم الخدمات الرئيسة القريبة، والمؤهلة باحتياجاتهم فلا يكونون مصدر قلق، ولا تكون مساكنهم بيئة للأمراض، والأوبئة، وليتحقق لهم شرط الإنسانية التي تصدرت في جميع مواقف القادة للداخل والخارج، وحيث يكون الإنسان..
يبقى دور الكفلاء ليبادروا للإنسانية بالبذل كي يؤدوا الأمانة فيهم كما يقتضيه الإيمان، والأخلاق، وقد قال لهم الأمير فيصل حقاً: «العمالة أمانة في أعناقنا» ولعل أول من يكون مسؤولاً عن هذه الأمانة هم الكفلاء..
ونكررها معه، ونحن نشهد الزيادة اليومية لعدد المصابين بالوباء ونسبتها العليا من العمال الذين يتكدسون كالدجاج في مساكن لا تليق بطموحات تعيشها البلاد، وجهود تبذل في مواجهة الجائحة، ورؤية لوطن تقوم على قيم الإخلاص، والنزاهة..