د.ثريا العريض
رغم كل المعاناة التي يمر بها العالم بسبب انتشار الوباء الجديد «كوفيد 19» هناك جوانب مضيئة لهذه التجربة والحرب الطاحنة التي نخوضها جميعًا دولاً وأفرادًا مع عدو غير مرئي. منها أنها كشفت لنا أنه لا مكان للأنانية الفردية وأنه لا بد من تعاون الجميع وتضافر الجهود على كل المستويات والأصعدة. ومنها أنها أثبتت بوضوح أن الشفافية في نقل المعلومة للجماهير هي السبيل الوحيد لإقناعهم بالاستجابة للتعليمات والتعاون العام. ومنها أن وضوح التعليمات بكل تفاصيلها ضروري لتحقيق نجاحها مهما بدت وكأنها أفعال بديهية بسيطة كغسل اليدين وتعقيم الأسطح لأن الالتزام بتطبيقها بحذافيرها ضروري.. بل لا بد من تنفيذ فرضها جبريًا إن لم يتم ذلك طوعيًا.
لقد غيرت أوضاع الوباء من معطيات كثيرة فيما يتعلق بالصحة العامة والاقتصاد والأعمال وأحدثت تغييرًا واضحًا في الأولويات الفردية والحكومية والمؤسساتية. منها أنها أعادت البحث العلمي إلى الصدارة التي يستحقها في خطط العالم وفتحت شرفات الجهود البحثية والتطوع لتمويله من مؤسسات وأفراد ووضحت أن منظمة الصحة العالمية يجب أن تؤخذ بعين جادة وتدعم للقيام بدورها. وأن تسرب الأموال إلى جيوب المتنفذين من مسؤولي الدول والأحزاب يجب أن يتوقف، وأن مسألة الصحة العامة والأوبئة هي مسألة حياة أو موت للبشرية وليس لرجل على كرسي رئاسة أو متصارع على ترؤس العالم.
شخصيًا أرى أهم ما حدث للمدى البعيد هو أن العلاقة الفعلية على أرض الواقع بين الفرد وجهة انتمائه وضعت على المحك، فاتضحت حقائق مهمة كانت تهمش في خضم غلبة الكلام على الفعل والوعود على الإنجاز. لم تعد مثاليات الدساتير المكتوبة ولا الخطب الرسمية من المسؤولين تكفي لإقناع المواطن بأن مستقبله في أيد أمينة، بل ما يراه فعلاً من التعامل مع متطلبات سلامته وصحته وتوفير احتياجاته الغذائية والمادية في ظروف توقف وظيفته وتقلص مصدر رزقه أو فقدانه لعمله أو تغربه بعيدًا عن أسرته.
هنا يتضح من يستحق الشكر الصادق سواء كنظام حكومي أو مؤسسات أو أفراد متطوعين بوقتهم أو خبرتهم التخصصية لحماية الآخرين.
ولنا أن نفخر بالجدية التي تناولت بها قيادة المملكة التعامل مع الوباء الفتاك وهي تحمي في الداخل قاطنيها المقيمين ومواطنيها دون استثناء، حتى من تهور المتهورين، وتعيد من انقطعت بهم السبل في الخارج من طلبة ومبتعثين ومسافرين.. بل وتسارع بمد يد تقدم العون لدول صديقة تحتاجه في الخارج.
لا حرمنا الله من قيادة تستحق الفخر بأفعالها البليغة التي يشهد بها كل متابع حيادي. ولمن يغض الطرف ويتجاهل هذا التميز الواضح ويبحث عمّا يثبت به تحيزه نقول: لنا الفخر بعز الانتماء ولك الاكتفاء بمواجهة الوباء وحيدًا والبحث عمّا يغذي الحقد في النفوس.. والحياة علمًا وجهلاً قولاً وفعلاً دروس.. والحقد كالوباء حرب ضروس.