عمر إبراهيم الرشيد
لستُ أدري -حقيقةً- لِمَ يحاول البعض من المتعلمين أو أنصافهم، أو من المثقفين أو أشباههم، ومع أي كارثة طبيعية أو أزمة بيئية أو مثلها، ضرب جدار عازل بين العلم والإيمان. قبل أيام كتب في موقع الإعلام الاجتماعي (تويتر) طبيب، كان له عمود صحفي رصين، رشيق الأسلوب بتناوله هموم وشجون المجتمع والبلد، وكأنه يصف الدواء في عيادته، فقد كان مباشرًا في طرحه، وفي تحديد المشكلة، وتشخيص عللها، ثم وصف الحل الناجع لها دون تعقيد. إنما في (تويتر) صدم بعض متابعيه، ولا أقول كلهم بالطبع، حين قال عن جائحة كورونا ما معناه «إنها نسفت فكر المؤسسة الدينية والدجل والخرافات، وأثبتت أن العلم وحده هو القادر على التعامل مع هذه الجائحة، وإيجاد العلاج لها». وبالطبع، لن أذكر اسمه هنا؛ لأني لا أهدف إلى الشخصنة، وإنما لنقاش مختصر وسريع، وإبداء رأي قد يقبله البعض، ويرفضه آخرون. وهذا هدف مقال الرأي.
وللتذكير فقط، فالمسلم الذي لديه الحد الأدنى من الثقافة والوعي يدرك أن أي كارثة أو ظاهرة كونية، صغيرة أو كبيرة، لها أسبابها الطبيعية، وعوامل حدوثها. فالأعاصير والبراكين والزلازل، وكذلك الأوبئة والأمراض الجسمانية، وكذلك النفسية، لها أسبابها، وعوامل تؤدي إلى حدوثها. وحين يأتي مَن يقول إن الله تعالى قدر هذا الأمر لحكمته وتدبيره فأين المشكلة في هذا القول؟! وهو تعالى مَن خلق تلك الظواهر والكوارث وأسبابها معها. وما هي المشكلة عندما يُقال إن فيروس كورونا عقاب أو ابتلاء؟ وأين حديث المفكرين والعلماء والقادة الاجتماعيين وخطباء المنابر من مظاهر الفساد والظلم وغيره من انحراف البشر؟ فهل كان العالَم - وما زال - ملائكيًّا حتى نفترض استحالة العقوبة أو الابتلاء، أو التطهير والتمحيص الرباني، وإعادة البشر إلى شيء من صوابهم؟
حقيقة، قمتُ بالتعليق على ما كتبه هذا الطبيب الكاتب، وقلتُ ما ملخصه: «إن الدين لا يتناقض مع العلم والبحث العلمي والطب ووسائل العلاج على تنوعها». ويؤسفني القول إن من هو أجدر من غيره بتقبُّل النقد الهادف لم يكن كذلك، وإن كان هذا قد صدر من طبيب يسمى في بعض الدول المجاورة (حكيمًا)، فماذا نقول للشباب؟!
ولا بد هنا من التأكيد أني لست في مقام وعظ؛ لأن للوعظ مَن هم أفضل مني؛ إنما لا يحسن بالبعض الفصل بين العلم والإيمان بفروعه وأصوله، ومنها الإيمان بالقدر، وبالغيب، ونحوهما، ووصفها بأنها (ماضويات) أو مجرد (غيبيات)؛ فقط لأن (البعض) قد شوَّه الدين، واستخدمه لأغراضه الخاصة، أو بسبب الدجالين والمشعوذين وغيرهم ممن يتاجرون بظواهر الدين. فكل هذا لا يسيغ للمنتسبين للإسلام الوسطي الصافي وصف أي تفسير ديني من هدي القرآن أو السنة لأي ظاهرة بأنه دروشة، وأن هذه الظاهرة أسبابها طبيعية صرفة، وكأن المسلم ينكر هذا!
رحم الله الدكتور مصطفى محمود؛ فمن ينسى برنامجه ذائع الصيت في الوطن العربي كله (العلم والإيمان)، الذي تدور كل حلقة منه حول فكرة تلاقي العلم والإيمان.
تحية إكبار وإجلال لمن يسكنون المستشفيات من أطباء وطبيبات وممرضين وممرضات وعاملين يخاطرون بأنفسهم من أجل صحة الناس. وتحية لجنودنا ورجال الأمن الذين يسهرون على أمن الوطن، وكل من على ترابه.
وقبل أن أختم، هناك حكمة تقول (إذا زلَّ العالِم زلَّ العالَم) إلى اللقاء.