اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
مما لا شك فيه أن تفشي وباء كورونا على هذا النحو الذي اتسم بسرعة العدوى وسعة الانتشار حتى أصبح يُشكل كابوسًا بالنسبة لدول العالم، يستوي أمامه القوي والضعيف جعل منه هذا الأمر مادة صالحة للمقارنة بين مواقف الدول التي تكافحه من حيث درجة الاهتمام والفاعلية ومراعاة العوامل الإنسانية، وذلك لعدة أسباب أولها أنه صار قضية عالمية تتطلب التعاون بين جميع الدول، وثانيها أن أوجه التشابه في التعامل معه تعد أكثر من أوجه الاختلاف، وثالثها أنه يمثل مسؤولية مشتركة بين الدولة والمواطن، ورابعها أنه يتعلق بقضية على درجة بالغة من الأهمية وهي الصحة.
وتأسيسًا على ذلك فإن ردود الأفعال هي المفاتيح لما بعدها من المبادرات الوقائية والإجراءات الاحترازية التي تتميز بحسن استخدامها دولة دون أخرى، وصولاً إلى فرض حظر التجول الكلي وعمليات الحجر والعزل بهدف السيطرة على الوباء ومنع انتشاره، مع الأخذ في الاعتبار أن النفحات القيادية والمبادرات الإنسانية تُخفف من وطأة الإجراءات وقسوتها، وتجعل المواطن يستعذب المتاعب ويجد متعة في تحمل المصاعب.
والواقع أن الحياة مواقف، والمواقف تكشف عن معادن أصحاب السلطة وأرباب المناصب من حيث الدين والخلق والمنبت، وكل ما عظمت المواقف واكتنفتها الشدائد والملمات، كلما زاد الامتحان والابتلاء بالشكل الذي يزداد معه التمحيص، تبعًا لتفاقم الأزمة وزيادة عوامل التنغيص، كما هو الحال بالنسبة لوباء كورونا وتداعياته الحاصلة والمحتملة، والآفات المترتبة عليه.
وهذه الجائحة الوبائية التي تجتاح دول العالم هذه الأيام كشفت عن معادن النظم الحاكمة في هذه الدول، فضلاً عن أنها وضعت الكثير من السياسات على المحك، وممارسات أصحابها في المعترك، وخصوصًا أن مواجهة الكوارث والنكبات تحتاج إلى مبادرات وإجراءات يراعى من خلالها التركيز على المصالح العليا للدولة والشعب والثوابت الثابتة للأمة مع الحرص في مثل هذه الحالة على إغاثة الملهوف، وبذل صنائع المعروف على مستوى الدولة بما يساعد على احتواء الوباء والتخفيف من وقعه على الناس ومضاعفاته من أجل القضاء عليه والتخلص منه بأقل الخسائر.
وموقف خادم الحرمين الشريفين في هذه الجائحة بقدر ما كرّس رصيده من دلائل القيادة ومخايل السيادة المبنية على مكارم الأخلاق والمبادئ الدينية والقيم الإنسانية، بقدر ما عكس ذلك مواقف المملكة الثابتة والمبدأية التي طالما حاول أصحاب الأبواق المأجورة والأقلام المسعورة التشكيك فيها والنيل منها زورًا وبهتانًا وصدق الشاعر حيث قال:
من كان فوق الشمس موضعه
فليس يرفعه شيء ولا يضع
والأوامر السامية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين، مؤكدًا من خلالها على وزارة المالية والمؤسسات ذات العلاقة بتسخير المال والإمكانات المتاحة من أجل المساهمة الفعالة في وقاية المواطنين والمقيمين من عدوى الوباء القاتل، وتوفير الخدمة اللازمة لهم، وكل ما يحتاجونه أثناء هذه الجائحة مع التأكيد على حالات الإصابة وعمليات الحجر والعزل في إطار فرض حظر التجول، وجميع هذه الأوامر وخطوات تنفيذها أثبتت أن المال في مفهومه الصحيح وبعده الحقيقي هو كل ما ينتفع به الإنسان في الحياة، فيحصل به على فائدة أو يدفع به ضرر في حدود ما أوصت به الأديان السماوية واقتضته الضرورات الإنسانية، وقد قال الشاعر:
لا مال أوفر من مال تنال به
وقاية الدين والاعراض والحسب
وقال آخر:
فخير مال الفتى مال يصون به
عرضًا وينفقه في صالح العمل
وهذه الأوامر احسنت صنعًا حيث أرادت للجميع نفعًا، خاصة أن النفع لم يقتصر على المواطنين، بل شمل المقيمين بما في ذلك أصحاب الوجود غير الشرعي، وهذا يحصل في زمن يتنافس أهله على عبادة المال والهوس به والانغماس في ملذاته على حساب المثل الروحية والقيم المعنوية، بشكل أبعد الإنسان عن دينه، وجرّده من إِنسانيته، منزلقًا في مهاوي الردى، ونائيًا به عن طريق الهدى.
والأوامر ذات نظرة شمولية حيث لم تترك أي شيء يهم المواطن في هذه المرحلة الحرجة إلا تطرقت إليه منذ ظهور الوباء مع التحسب للاحتمالات وتوقع الأسوأ، انطلاقًا من قاعدة الحزم سوء الظن، مقدمة للجهات المعنية منارات إرشادية على طريق الوقاية للاسترشاد بها والرجوع إليها من وقت إلى آخر، بوصفها تمثل مرجعية ترجع إليها مختلف مؤسسات الدولة عند التعامل مع الحالات المصابة خاصة والمجتمع عامة على ضوء احتمالات العدوى والوقاية منها، وما يطرأ من مشكلات صحية وأمنية واجتماعية واقتصادية وغيرها.
وتنفيذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، لم تكتف الدولة بحشد الإمكانات والقدرات المتوافرة لمكافحة الوباء على مختلف الأصعدة البشرية والصحية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية، فإضافة إلى ضخ الأموال الطائلة قدمت الكثير من التضحيات التي يصعب حصرها في سبيل صحة المواطن والمقيم، معتبرة ذلك أولوية قصوى مهما كانت التكاليف والأعباء، كل هذه الإجراءات بفضل ما يتمتع به قائد المسيرة من تميز في إِنسانيته وعلو همته ومروءته وحبه لشعبه واحتلاله أعلى قمة من قمم المجد وكما قال الشاعر:
ما كل من طلب المعالي نافذًا
فيها ولا كل الرجال فحولا
وقال آخر:
جمال المجد أن يُثنى عليه
ولولا الشمس ما حسن النهار
والجهات المعنية إدراكًا منها لمسؤولياتها واستجابة للتوجيهات الصادرة يجري العمل فيها على قدم وساق منذ ظهور أول حالة إصابة وحتى الآن، وعلى الرغم من الجهود المبذولة والمتواصلة من قبل هذه الجهات وفي مقدمتها وزارة الصحة ووزارة الداخلية فإن النجاح في مكافحة الوباء يعتمد على توفيق الله ثم انضباط المواطن والمقيم والتزام الجميع بالتعليمات التي بموجبها تتم المحافظة على الأمن الصحي والوطني في بيئة صحية خالية من الأوبئة.