عماد المديفر
على غير العادة، اضطر السفير الصيني في طهران السيد «تشانج هووا» إلى توجيه لوم علني للحكومة الإيرانية عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» ردًّا على افتراءات المتحدث باسم وزارة الصحة الإيرانية کيانوش جهان بور، مقترحًا عليه متابعة المؤتمر الصحفي اليومي لوزارة الصحة الصينية لاستخلاص النتائج، وليعرف أن الصين تعاملت مع جائحة كورونا بكل جدية وشفافية ومسؤولية حين تبيّن لها حقيقة الوباء. وكان المسؤول الإيراني في تصريح له عبر وكالة أنباء الأناضول «التركية»، نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، وتهربًا من تقارير إعلامية اتهمت إيران بالفشل في التعاطي مع «كورونا»، قد اتهم الصين بالتسبُّب في نشر الفيروس، ووصوله إلى مرحلة غير مأمونة العواقب وخارجة عن السيطرة، مدعيًا أن «الصين رمت العالم بمزاح مؤلم حول فيروس (كوفيد-19)». مضيفًا في افتراءاته الصفيقة بأن «أغلب دول العالم تعاملت مع الفيروس وفق المعلومات الصينية التي هوّنت من المرض، وتخيّلت أنه أشبه بالرشح العادي (الإنفلونزا)، بل أسهل منه، ولكن الأمر ليس كذلك»؛ الأمر الذي دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي إلى الدخول على الخط لتلطيف الأجواء عبر حسابه الرسمي في «تويتر»، مؤكدًا أن «الصين بذلت جهودًا كبيرة لاحتواء أزمة كورونا، وقدّمت مساعدات كبيرة للعديد من دول العالم».
الواقع أن ما حدث يكشف حجم التخبط الكبير عند المسؤولين الإيرانيين، حتى وصل بهم الحال، وفي خضم فشلهم الذريع في احتواء «جائحة كوفيد 19»، وسعيهم إلى التهرب من المسؤولية أمام شعبهم الغاضب من أسلوب التعاطي الحكومي البدائي والمتخلف في مواجهة هذه الأزمة التي أضحت كارثة كبرى وحقيقية في البلاد، إلى رمي التهم جزافًا على أحد أهم مَن تبقى من أصدقاء لإيران: الصين!
وبينما جثث الموتى في ازدياد، وأفراد الشعب الإيراني أصبحوا يتساقطون في الشوارع بأرقام مهولة، يشير المواطنون الإيرانيون بأصابع الاتهام إلى حكومة الملالي، حتى أنهم أصبحوا يتحدثون علنًا عما أسموه بـ»الفشل الحكومي الذريع»، وأن قيادات الدولة كذبوا على الشعب في بداية الأزمة، واخفوا الكثير من الحقائق والأرقام، وتعاملوا مع الأمر بنوع من اللامبالة غير المسؤولة والاستخفاف، وعدم الجدية. وفي هذا السياق نفهم ما ذكره المتحدث باسم وزارة الصحة الإيرانية لتبرير الإهمال الحكومي، وكذب متحدثي الصحة أنفسهم على المواطنين المثبت بالصوت والصورة بداية انتشار الجائحة؛ إذ بث المسؤولون الإيرانيون أنفسهم رسائل «تطمينية»، وأن الوباء تحت السيطرة، وأنه لا يوجد ما يدعو للقلق، أو أن لا يمارس الناس حياتهم الطبيعية.
لكن الرد الصيني على هذه التراهات جاء فوريًّا من سعادة سفير الجمهورية الصينية في طهران الذي ألجم عبر تويتر متحدث الصحة الإيرانية بأسلوب جمع الجدية مع احترام الأعراف الدبلوماسية. وبدلاً من أن يتم احتواء الأمر استمر متحدث وزارة الصحة الإيراني في صفاقته، ورد على السفير الصيني برد يخلو من أي معلومة أو دلالة مفيدة إلا أنه يكشف حجم الضغط واللوم ربما الذي تواجهه وزارة الصحة الإيرانية، وخوفهم من بطش قيادات الحرس الثوري بهم من جراء التقارير المضللة التي رفعوها. وهذا التخبط هو ما جعل المتحدث باسم الخارجية الإيرانية يتدخل لاحتواء الموقف، ويقدم ما يشبه الاعتذار إلى السفير الصيني عما صدر من متحدث الصحة الإيرانية، ولاسيما أن إيران ليست بحاجة إلى مزيد من العزلة؛ وبالتالي فإن كان لهذه التصرفات والتصريحات الإيرانية الرسمية المتضاربة من دلالة فهي أنها كشفت للصين وللعالم أجمع طبيعة عمل هذا النظام الفوضوي العدمي.. القائم على أيديولوجيا رجعية ظلامية، يعرف كيف يدمر ويخرب، ولا يعرف كيف يبني ويعمِّر، وأن مِن الخطأ اعتباره نظامًا يعول عليه.. وأن مصلحة الصين والمنطقة والعالم أجمع في التعامل مع نظام إيراني يكون أكثر نضجًا ومسؤولية.