إن الحديث عن تاريخ مدينة الدرعية حديث طويل ولا يمكن أن نوفيها حقها في هذه العجالة، فمدينة الدرعية قامت وازدهرت وهي انطلاق وبداية لحكام أئمتنا آل سعود -رحمهم الله-، فهذا المؤسس الأول للدولة السعودية الأولى الإمام والأمير محمد بن سعود -رحمه الله-، وهو أمير مدينة الدرعية (1131 هجري) حيث كانت منطقة نجد تعج بالفوضى وانعدام الأمن ومن ثم جاء من بعده أبناؤه الأئمة البررة عبدالعزيز وسعود وعبدالله حتى أصبحت وصارت مدينة الدرعية والجزيرة العربية كلها تحت قيادة أئمة آل سعود البررة حيث عم وشاع الأمن في جميع البلدان، وصارت الدرعية منبراً لطلاب العلم في الجزيرة العربية وخارجها، ولم يكتف حكامها آل سعود بذلك، بل جعلوا من رعاية وخدمة وأمن الحرمين الشريفين هي الواجهة الحقيقية لدورهم العظيم.. أذن تسعون عاماً من الأمن والرخاء في ربوع الجزيرة العربية في عهد الدولة السعودية الأولى وما تحمله مدينة الدرعية خلف أسوارها من حكام وطلبة علم وعلماء وقضاة ومن وثائق ومخطوطات ومن أمهات الكتب الدينية والتاريخية، حتى أصبحت مدينة الدرعية وبقية مدن نجد حديث كل من زارها وكتب عنها في ذلك الوقت، حتى المستشرقون والرحالة قدموا إلى الدرعية وغيرها من مدن منطقة نجد فوجدوها دولة قائمة بذاتها وفيها جميع مقومات أيّ دولة عصرية في ذلك الوقت، وإن كان الكثير منهم لم ينصفوا أئمة آل سعود لجهلهم بالدين الإسلامي أو مغايرة الحقيقة لأهداف سياسية، حتى أتى الطاغية الهالك سنة 1816م إبراهيم محمد علي بك باشا الألباني ودمر جميع مدن نجد ووضع جنوده بها حتى قدم إلى الحصن الأخير عاصمة أئمة السعود (مدينة الدرعية) وهي الحصن الأخير، حيث صمدت بوجه الطاغية إبراهيم باشا وجنوده الأوباش لستة شهور من الحصار حيث إعلانه استسلامها بقيادة الإمام الشهيد عبدالله بن سعود آخر حكام الدولة السعودية الأولى (شهر سبتمبر 1818م) وذلك لحقن دماء أهالي الدرعية وما جاورها من المدن، وحفاظاً على مدينة الدرعية كصرح من صروح مدن نجد، ولكن الهالك الطاغية لم يلتزم بشروط الاستسلام فقام بتدمير الدرعية كلها وقتل الأمراء والعلماء والقضاة وأحرق مزارعها، ولم يكتف بذلك، بل أحرق كل الوثائق والمخطوطات وأمهات الكتب وسرق خزينة الدولة، حتى أصبحت مدينة الدرعية مدينة أشباح وأطلال، بعد أن كانت منبر علم وأمن وأمان لمنطقة الجزيرة العربية.. فاليوم نرى الدرعية بعد ثلاثة قرون، حيث تم ترميها وتوثيقها لدى منظمة اليونسكو للتراث (2010م) كأحد رموز التراث العمراني والعلمي العالمي، إذن اليوم لنعيش ويشاهد أبناؤنا هذا الصرح العظيم (الدرعية القديمة) والدور الكبير الذي قام به أئمة آل سعود -رحمهم الله- خلال ثلاثة قرون من إنشاء دولة قامت على العلم والثقافة والدين وما تركته من وثائق ومخطوطات وأمهات الكتب، وخرجت بذلك كثير من العلماء والقضاة حيث انتشروا في ربوع الجزيرة العربية في ذلك الوقت.
إذن هذه مدرسة الدرعية التراثية وما تركه أئمة آل سعود -رحمهم الله- في عهد الدولة السعودية الأولى فأهلاً بتاريخ الدرعية لنعتز به ونفخر به وأهلاً بتراث فيه أمجادنا وتاريخنا.. وبالله التوفيق.
** **
- ناصر بن إبراهيم الهزاع