عبدالمجيد بن محمد العُمري
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس
هكذا قال الشاعر الحطيئة -رحمه الله- ولو لم يكن منه سوى هذا البيت -عفا الله عنه- لكفى. ولست بصدد الحديث عن الشاعر، ولا عن شعره، إنما الشاهد ما جاء في بيته المذكور عاليه؛ فقد صدق؛ فإن من يفعل الخير لن يعدم الجزاء على عمله من الله سبحانه تعالى، ثم من الناس المنصفين.
أتذكر هذا البيت، وأدعو بالمغفرة والرحمة للشيخ محمد بن عبدالله المانع -رحمه الله- مدير تعليم شقراء السابق. وقد سمعت هذا الدعاء يتكرر في مجلس الأسرة العُمرية مرات كثيرة؛ فما ذكرت شقراء إلا ويرد اسمه، ولا ترد بعض القصص في الشهامة والمروءة وبعض قصص الوفيات إلا ويُستشهد بكرمه وشهامته ومروءته. فما سر هذا الدعاء والذكر الحسن؟!
في تاريخ 18-7-1401هـ تُوفِّي الأستاذ سليمان بن محمد العلي العمري -رحمه الله- وهو من أبناء العمومة الذين يسكنون محافظة الرس إثر حادث مروري، وقع له قرب ساجر، وكان في طريقه لمدينة الرياض لرؤية ابنه (الوليد الوحيد) ماجد -حفظه الله-، وتوفي من جراء هذا الحادث في مستشفى شقراء الذي نُقل إليه في بداية الحادث من ساجر.
حضر مجموعة كبيرة من أفراد الأسرة وبعض الأنساب إلى شقراء، وهم قرابة العشرين رجلاً، لإتمام إجراءات تجهيز الجنازة، والصلاة عليها، ودفنها في شقراء، وهم غرباء عن البلدة. وبينما هم في المستشفى إذا برجل بهي الطلة، وسيم المنظر، حسن الهيئة والملبس، جميل الكلام (حسب إفادة عميد الأسرة الشيخ إبراهيم بن محمد العُمري -حفظه الله-) يسلِّم على أفراد الأسرة، ويعزيهم دون معرفة سابقة، ويعرض عليهم القدوم للبيت للراحة حتى تجهيز الجنازة، ومن ثم تناول طعام الغداء ولو بعد صلاة العصر، وأصر على دعوته، ورجاء تنفيذ طلبه؛ فقبل الجماعة بعد اعتذار وتقدير وإلحاح كثير من المضيف. ولم يكتفِ بهذا، بل طلب من أحد الإخوة من شقراء أن يطلب من إمام الجامع أن يؤخِّر صلاة العصر قليلاً حتى يتأكد من تمام إجراءات أوراق الدفن، وهذا ما تم بالفعل. وبعد الصلاة على المتوفَّى -رحمه الله-، والانتهاء منها، لبى الجماعة دعوته، فإذا به قد جهز الغداء بحضور عدد من الضيوف الآخرين من أبناء المحافظة، وكان مسليًا مواسيًا تارة، وملهيًا تارة أخرى. ومع طيب الكلام، وجميل الخلق، وحسن العمل كان يعتذر عن أي تقصير لضيق الوقت، وقد كفَّى ووفَّى -رحمه الله- قولاً وعملاً.
وحينما درستُ في المرحلة الجامعية مع عدد من الزملاء من محافظة شقراء وما حولها ذكرتُ لهم القصة التي استمعتُ إليها في مجلس العائلة، والذكر الحسن للشيخ محمد بن عبدالله المانع -رحمه الله-، وموقفه الطيب وعمله الجميل الحميد في المساهمة في تجهيز الميت، وفي دعوة أهله، والقول المعروف والعمل الطيب من قِبله. وقد ذكرت قصته للزملاء (الأساتذة عبدالله المجيول، وعبدالرحمن الفريح، وعبدالله الجمعة) مرات عديدة، وكان الزملاء من محافظة شقراء يثنون على ما أقوله في تأكيدها؛ لما للشيخ محمد بن عبدالله المانع من مناقب ومآثر حميدة مع القريب والبعيد.
وجه عليه من الحياء سكينة
ومحبته تجري مع الأنفاس
وإذا أحب الله يومًا عبده
ألقى عليه محبة في الناس
وحين أبلغني الأستاذ عبدالله الجمعة بوفاته -رحمه الله- كتبتُ خاطرة عن معروفه وجميله، وأظنه قد أوصلها إلى أبنائه في حينها. ومما يذكره عميد الأسرة الشيخ إبراهيم بن محمد العُمري أنه حينما استضافهم الشيخ محمد بن عبدالله المانع في منزله جاء الذكر الحسن لرائد من رواد التعليم، فضيلة الشيخ محمد بن عبدالعزيز المانع، وصلته القوية بالأسرة العُمرية، وذكر أن والدي الشيخ محمد بن سليمان العُمري -رحمه الله- استضافه في داره بالرياض لأكثر من يومين عام 1372هـ حين جاء مع أخيه الشيخ صالح بن سليمان العُمري -رحمه الله- في مهمة تتعلق بالتعليم بمدينة الرياض، وجاء الثناء على هذه الأسرة المباركة (أسرة آل مانع)، وأنها أسرة علم وفضل.
والجهد الذي بذله أبناء الشيخ محمد بن عبدالله المانع في جمع بعض مآثر والدهم -رحمه الله- هو باب من أبواب البر، وهو حق له، وحق لأهل الخير جميعًا أن تخلد مآثرهم، وتُذكر وتُنشر، ولا تُطوى؛ لتبقى درسًا لكل جيل؛ فإن المعروف لا يُنسى.
تغمَّد الله الشيخ محمد بن عبدالله المانع بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته، وبارك في عقبه، وجعل ما قدَّمه في ميزان حسناته.