محمد ناصر الأسمري
كثيرة ومتنوعة التعاريف لمصطلح القبول الاجتماعي في العلوم الإنسانية social distance، لكن الذي استقر بنائي التراكمي من خلال دراستي علم الاتصال communication ما زال يثير لدي التساؤلات عن مدى سريان العمل والتعامل بهذه المسافة في مسارات ثقافة العرب/ المسلمين/ العالم. وقبل الدخول فيما أنا بصدده فلعل التعريف السهل الممتنع هو ما قالت به الدكتورة عصمت هوسو صاحب مركز الجندرة على شبكة الإنترنت حيث قالت:
المسافة الاجتماعية: Social Distance كل شيء في الحياة يمكن قياسه؛ فالزمن مثلاً يقاس بالأيام والشهور والسنين، وتقاس المسافات بين الأماكن بالأمتار والأميال، وتقاس الخبرات بالعلم والمعرفة والتجارب الشخصية.
أما العلاقات الإنسانية فتقاس بمدى التوافق أو الاختلاف في العقول والميول والأمزجة، ومدى التجاذب أو التنافر في العلاقة، ومدى الرفض أو القبول للآخر، عن طريق المسافة الشخصية (الاجتماعية) بين الأفراد).
وأعلم حسب معرفتي واطلاعي بوجود تعريفات متعددة لعدد من علماء الاجتماع والنفس والاتصال وبتعدد القياسات والمعايير المستخدمة في جل العلوم الإنسانية، لكن الذي يعنيني هنا هو المسار الذي تسير عليه علاقات الاتصال والتواصل في مجتمعات العرب/ المسلمين، وبالأخص عند التلاقي أو التخاطب حين تواجد شخصين ويهمس أحدهما للآخر همساً خفياً وهما وحيدين لا ثالث لهما، ويبرز التساؤل أهذا خوف وهلع من أحد ليس له وجود معهما؟؟ أم نفور من شيء غير معلوم وهنا تبدو مسافة القبول مفجعة في بث التنفس بينهما بما يسهل عدوى ومرض قد لا يعلمان به أو عنه.
حينما يخاطب فالح شريكه فليحان هامساً بقوله: بيني وبينك لا يسمعنا أحد؟ فهل هناك هلع بوجود طرف خفي يسمع ما يتهامسان به؟ هل هذا مثلاً نوع من الاحتياط من انتقال العدوى أثناء التنفس؟ إن كان هذا فهو مقبول معقول بل حتى عند الطبيب يفضل أن يتنفس المريض بعيداً عن وجه الطبيب/ الطبيبة، الممرض/ الممرضة بإدارة الوجه بعيداً عن الطبيب/ الطبية.
لا أحبذ ما يتداول حالياً في التحذير من وباء كورونا بأن ذلك مسافة التباعد الاجتماعي!!
المقبول في مسافة القبول الاجتماعي أن يكون السلام والتلاقي والتخاطب مبقياً لمسافة مقاسة ليس بالزمن ولكن ببعد مكاني لذلك كانت المصافحة بين الرجال والنساء مشروعة ووفق التقاليد المباحة والمتاحة. ليس مستحباً مثلاً أن يتكلم شخصان وهما يكادان يلتصقان ببعض فلا بد من مسافة على الأقل ابتعاداً عن الأنفاس التي لم تتطهر بالسواك مثلاً؟ وربما هذا السلوك غير منتشر في الثقافات غير العربية/ المسلمة.
صحيح أن سبل التلاقي والسلام في ثقافات أخرى لا تقبل بتقارب المحادثين جسدياً حتى بين العشاق إلا بعد حين من الثقة؟ وهنا فكما قال الشاعر العامي: لا صدى يوصل ولا شكوى تفيد.
الإبقاء على مسافة القبول الاجتماعي سلوك صحي وممارسة طيبة للبقاء في مأمن من الأوبئة ولبس الغمامة مفيد، واعتقد أن غمامة أفصح من كمامة فالغمامة بها مسام للتنفس أما الكمامة فربما هي كاتمة أكثر وتغم أكثر مما تكم.