محمد آل الشيخ
يبدو أن هناك معركة دبلوماسية بداياتها تلوح في الأفق بين الولايات المتحدة وأروربا من جهة، والصين من جهة أخرى، حول مسؤولية الصين عن انتشار فيروس كورونا، الذي ضرب كل دول العالم، وكلَّفت تداعياته خسائر اقتصادية تجاوزت عدة تريليونات، وهي في طريقها على ما يبدو للتزايد. الأمريكيون حتى الآن لا يحمِّلون الصينيين المسؤولية مع سبق الإصرار والترصد، وإنما يذهبون إلى أنه (ربما) تسرَّب الفيروس من معامل الصين البيولوجية عن طريق الخطأ، ثم انتشر في مدينة ووهان، ومنها إلى بقية الصين، ثم إلى العالم أجمع. القضية لا تزال في طور التحقيقات، وهي على ما يبدو معقدة، وتفتقر إلى الإثبات والشواهد الدامغة؛ والصين ليست إيران، أو كوريا الشمالية، وإنما عضو في مجلس الأمن، وشبه حليف لروسيا أيضاً، الأمر الذي يجعل قضية معاقبتها أمراً ليس صعباً فحسب، وإنما مستحيل إلا إذا قامت حرب عالمية. ولا أظن لا أمريكا ولا الدول الأوربية في وارد تخطي هذه الحدود الخطيرة، لكن الذي أنا متأكد منه، أو هكذا يبدو سياق الأحداث، أن دول الغرب سوف يحاولون ابتزاز الصين لتحقيق مكاسب سياسية، ومحاصرة توسعاتها الاقتصادية النامية، المتمثلة في (طريق الحرير)، الذي يبدو نظرياً أن الصين من خلاله ستكون دولة توسعية، تُخطِّط لتكون قوة فاعلة في العالم، خاصة مع الدول ذات الاقتصاديات الضعيفة، من خلال بناء استثمارات في تلك الدول، تخولها من السيطرة عليها، بالشكل الذي يجعل لها نفوذاً قوياً في تلك الدول، تواجه به الهيمنة الأمريكية، التي أصبحت بعد سقوط الاتحاد السوفييتي القطب الأوحد في العالم بلا منازع، الذي ليس هناك من ينافسه.
صحيح أن المعسكر الغربي متمثلاً في الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، لم يعد كما كان قبل كورونا، فالاتحاد الأوربي تضعضع تماسكه، والولايات المتحدة تواجه كورونا التي كلفت اقتصادها الترليونات، لكن كل ذلك لا يعني أن ذلك المعسكر يترنَّح، لذلك فإن الولايات المتحدة التقطت الفرصة، لتجعل من هذا الوباء وسيلة لإضعاف الصين والنيل من توسعاتها الاقتصادية، وإدخالها في قضايا الهدف منها كبح جماح توسعها، وبالذات مشروعها (طريق الحرير). الغرب، وبالذات الولايات المتحدة هي الدولة الأقوى في العالم بلا منازع، وعملتها -وهنا بيت القصيد- هي العملة التي تُقاس بها قوة اقتصاديات الدول من ضعفها، ولديها من الأدوات الاقتصادية ما يمكِّنها من تجميد طموحاتها الاقتصادية. وهذا ما يقلق الصين، ويقض مضاجع قادتها، لذلك نراها وباندفاع توزع المساعدات يمنة ويسرة على دول العالم، بما فيها أوربا، لأنها تعلم أن في الأفق ما يوحي بصراعات ستكلِّفها الكثير، بعد انحسار الوباء، وانتقال العالم إلى مرحلة من المسؤول عن هذه الجائحة، ولا سيما أن الصين حاولت في البداية التعتيم على انتشار الفايروس، وإخفاء أمره، حتى خرج الأمر عن السيطرة؛ ولعل هذه النقطة بالذات هي نقطة الضعف في موقف الصين تجاه العالم بأكمله.
وباء كورونا سينتهي إن عاجلاً أو آجلاً، غير أن تبعات هذا الفيروس ستكون محور الصراع بين الصين ودول العالم في المستقبل القريب، وكلٌّ سيتصرف حسب ما تمليه مصالحه.
إلى اللقاء