د. محمد عبدالله الخازم
كتب الدكتور حمود أبو طالب «الجمعيات الخيرية لدينا عالم قائم بذاته، نحسن الظن بالقائمين عليها ونرجو لهم الثواب والتوفيق، ولكن لا بد أن نعرف ماذا تقدم الآن، نريد أن نرى لها حضورًا يفيدنا بأنها تقدم عملاً استثنائيًا في هذه الظروف الاستثنائية، نريد أن نطمئن إلى أنها موجودة وفاعلة وتقوم بالواجب الإنساني الذي أنشئت من أجله، ولأجله يدعمها المحسنون من أهل الخير الذين يحرصون أن يصل إحسانهم إلى مستحقيه، لا البقاء في الحسابات البنكية للجمعيات».
تساؤلات أبو طالب مهمة وأود الذهاب إلى ما هو أعمق في بحث السؤال «لماذا» وأطرح ملاحظات تتعلق ببعض مبررات قصور المؤسسات غير الربحية.
أولاً: الإستراتيجيات التي أسستها وزارة التنمية الاجتماعية في السنوات الأخيرة تميل إلى تضييق نطاق عمل الجمعيات الخيرية من ناحية التخصص ومن الناحية الجغرافية، فالتوجه هو نحو حصر أغراض وأهداف الجمعيات في مجال متخصص ضيق، بشكل مبالغ فيه أحيانًا. عندما تحدد المنطقة الجغرافية - أصبح المطلوب أن تكون الجمعية على مستوى المحافظة أو المدينة أو القرية فقط- التي تعمل فيها الجمعية وتحصر الأهداف والتخصص بشكل مبالغ فيه تتناقص المرونة التي تملكها أي جمعية في التصرف وفق الظروف والنوازل المحيطة.
كنت أتمنى ألا تفتح وزارة الصحة باب التطوع مباشرة وإنما من خلال الجمعيات، لكن تضييق أهداف تلك الجمعيات وصغرها ومحدودية صلاحياتها الجغرافية أعاق إمكانية الاعتماد عليها!
ثانيًا: من خلال تناقص الدعم المقدم، أو الوفاء بما هو متوقع، من قبل بنك التنمية الاجتماعية وهي شكوى تشترك فيها الجمعيات الخيرية والتعاونية. بنك التنمية الاجتماعية يفترض أن يكون ذراعًا داعمًا أو مظلة إقراضية للجمعيات لمساعدتها في تنفيذ مشروعاتها المختلفة ولكن عندما تقلص القروض أو تؤخر أو تعقد آلياتها فالأمر يعيق الجمعيات التي وضعت آمالها وخططها بناء على وعود الدعم. نحن نسمع كثيرًا عن الدعم لكن مسؤولي الجمعيات يرون الحاجة إلى المزيد، بالذات في مثل هذه الظروف. في الأزمات ينتظر الدعم وليس مجرد القروض!
ثالثًا: من خلال ضعف الحوار والتواصل مع الجمعيات وبالذات تلك التي تحت التأسيس بحجة العمل وفق النظام الإلكتروني. النظام الإلكتروني أخرس لا تعرف من يضغط الزر خلفه بالرفض أو الموافقة. يضعون مدة محددة ثم يرفض الطلب عن طريق النظام الإلكتروني دون إيضاح السبب ودون أن تتمكن من معرفة المسؤول الذي يمكنك التحاور معه. الأنظمة الإلكترونية هدفها الدعم والتطوير وليس التحول إلى حاجب للتواصل.
رابعًا: عدم مرونة الوزارة أو عدم اهتمامها بخلق مشروعات خيرية واجتماعية يتم إيكال تنفيذها للجمعيات، رغم الحث على الاستفادة من القطاع غير الربحي في مختلف المشروعات. هل قامت التنمية الاجتماعية بتكليف الجمعيات الخيرية بأية مشروعات مجتمعية أو خيرية خلال أزمة كورونا؟ لن أحدد مجالات، حتى لا انحاز لجمعيات بذاتها، لكن هناك جمعيات قادرة على المساعدة في مجتمعاتها وما تحتاجه برامج عملية وآليات تدعمها وتفتح لها طريق المشاركة..
نقدر جهود وزارة التنمية الاجتماعية وسعيها لزيادة إعداد الجمعيات لكن الفاعلية مهمة، وتبرزها الأزمات. وبالطبع لا أعفي المؤسسات غير الربحية من العتب على قصورها الذاتي في المبادرة...