د.ثريا العريض
نقف في العالم الإسلامي على مشارف رمضان؛ الشهر الكريم الذي ننتظر أن يهل هلاله بعد أيام. وأقول كالمعتاد، كل عام وأنتم وأحبابكم بخير.. بلغنا الله جميعاً صيامه وقيامه. وبودي أن أضيف: وألق لياليه وأيامه.
ولكن قدوم رمضان هذا العام، على غير المعتاد, لا يحمل ذلك التخيل الجميل الواضح التفاصيل كما نعرفه واعتدناه.
مرَّ علينا أكثر من ربع عام منذ كشف فيروس كورونا عن وجهه القبيح وتمدد في أرجاء القارات الخمس منطلقاً من ووهان في الصين, عفوياً أو بفعل فاعل مجهول متسارعاً عبر تقنيات السفر والنقّل الحديثة، واضطر الناس في شرق العالم وغربه، شماله وجنوبه برضاهم أو غصباً عنهم إلى التكمم والتحصّن والانحصار في بيوتهم هرباً من العدوى.
يأتي رمضان الكريم ونحن نتألم روحياً، إذ لا نتطلع إلى اعتكاف في الحرمين ولا صلاة تراويح تجمعنا في المساجد، ولا حتى ربما تبادل لذائذ رمضان مع الجيران.
ولكننا نتفهم الظروف الاستثنائية، فمنذ بداية العام الميلادي حتى الآن حصد وباء كوفيد 19 الوبيل مليوني مصاب وآلاف الوفيات، وكلّف اقتصادات الدول الكبرى خسائر فادحة منذراً بكساد عام وبطالة واضطرابات متوقعة، إذ لا يجد الناس ما يأكلون في توقف حركة التصدير للأغذية وإيقاف المصانع عن الإنتاج وربما تسريح العمالة لتقليص الخسائر، بالإضافة إلى اكتظاظ المستشفيات بالمرضى وعجز الإمدادات الطبية والغذائية عن سد الحاجة إليها. ورغم تسابق الدول والعلماء في المختبرات المتخصصة لإيجاد علاج ناجع ولقاح مانع ما زالت الأبحاث مجرد محاولات غير مؤكدة النتائج.
هي تجربة سوداء مظلمة للجميع وتحمل لبعض الفئات أخطاراً مضاعفة بوجود تكثفات سكانية فقيرة في مواقع محصورة موبوءة تنشر فيها العدوى الوباء كالنار في الهشيم منها مثلاً تجمعات العمالة في إسكان ضيق وأوضاع غير صحية, وأيضاً بوجود فئات متهوّرة ترفض الانصياع للتعليمات الواضحة بضرورة البقاء في المنازل والعمل عن بعد لتجنب التجمع، والنتيجة أن من يخرق تعليمات الحظر قد يعود من فسحته إلى منزله وأهله إن لم تصطده الجهات الأمنية محمّلاً بالفيروس الذي ربما طاله من متهوّر آخر التقى به في استراحة أو تجمع ممنوع، أو من شخص يحمله دون أن تبدو عليه أية أعراض فيكون تهوّره باباً لهلاكه وهلاك أحبته ولات ساعة الندم.
وعودًا على بدء لا نعرف هل انطلق الشر بفعل فاعل يكيد لمنافس على ترؤس اقتصاد العالم؟ وهل انقلب السحر على الساحر؟ والعالم يدفع الثمن لهذه المساخر؟
حقيقة هي حرب بين البشر وعدو فيروسي قادر على تطوير نفسه ليخترق دفاعاتنا الصحية ويتجنب الهزيمة مستعيناً بجهل البعض وتهوّر البعض وأنانية البعض وتلكؤ إعلان المواجهة الجادة من البعض لسبب أو لآخر. إلا أن هناك جوانب مضيئة لهذه التجربة المؤلمة، ومعاناة الحرب الطاحنة التي نخوضها جميعاً دولاً وأفرادًا مع عدو غير مرئي.