محمد سليمان العنقري
مما لا شك فيه أن الإقفال الكبير وهو الذي أصبح الاسم العالمي رسمياً لهذه الأزمة ما زالت آثاره وتداعياته الاقتصادية مستمرة، وبكل تأكيد هناك أضرار لحقت بالاقتصاد العالمي، وهو ما اضطر الدول لاتخاذ إجراءات غير مسبوقة بحجمها لمواجهة هذه التداعيات بلغت قيمتها أكثر من سبعة تريليونات دولار وهو ما تعهدت دول مجموعة العشرين التي تشكل أكثر من 80 في المائة من الاقتصاد العالمي وفي المملكة اتخذت إجراءات شكلت إطار حماية متينًا للاقتصاد الوطني، لكن مع كل ما لهذه الأزمة من تبعات سلبية إلا أنها أيضاً تفتح الباب أمام قطاع الأعمال لإعادة تقييم كل منشأة لقدرتها على تحمل الأزمات وأيضًا ماذا كان ينقصها من ممكنات أو سياسات داخلية تخصها تعطيها قدرة على التحوط.
فقد تكون المنشآت المتوسطة والصغيرة هي الأكثر حاجة لإعادة تقييم أوضاعها ومعرفة بواطن الخلل في هيكلها التنظيمي خصوصاً بالإدارات المالية والتسويق والتشغيل، وهل كان لديهم خطط لمواجهة الأزمات وهل مستوى الكفاءات التي تدير هذه الإدارات تمتلك الخبرات الكافية لإدارة المخاطر، فمثل هذه الأزمات الاستثنائية التي تعد درساً عظيماً لكل منشأة لتكتشف احتياجها الحقيقي لتطوير أدائها الإداري والتشغيلي وكيف تتحوط مالياً بما يكفيها لمواجهة أي أزمة، وكذلك كيف تستفيد من المحفزات التي قدمتها الدولة للقطاع الخاص بما يتعدى تجاوزها للأزمة إلى تطوير بيئة العمل، فالأزمات دائماً تصنع التغيير وتفرضه، فمن المهم أن يكون بدراسة وتمعن من المنشأة كي تنهض من جديد.
ومن المؤكد أن سياق التنظير قد لا يلمس معاناة كل منشأة، فرغم إن الإغلاق شمل العديد منها لكن بواطن الخلل تختلف من واحدة لأخرى وبالتالي فإن الاحتياج لاستيعاب تداعيات الأزمة والتطوير لبيئة العمل يختلف أيضاً، فكل منشأة تبحث بكل تأكيد عن حلول عملية تخدمها مع ما تم اعتماده من محفزات حكومية، وهذا يتطلب إعادة تقييم شاملة والنظر إلى جودة منتجاتها وتنافسيتها باستبعاد أي محفزات كان يعتمد عليها، إذ لابد أن تكون التنافسية مبنية على معايير السوق العالمي حتى تتحقق الجودة والتنافسية المطلوبة وتصبح المحفزات ربح إضافي وليس أساس لبناء الأعمال، ففي مثل هذه الأزمات تكتشف العيوب وضعف التنافسية إضافة للخلل بالهيكل التنظيمي للمنشأة ومستوى الخبرات والكفاءات للعاملين فيها.
الأزمات هي المحاسب العظيم الذي يقدم فرصة لكل منشأة لتراجع وضعها وتقيم أدائها لتعلم أين مكمن الخلل وما الذي أضعف قدرتها على الصمود أو اضطرها لإجراءات قاسية، فمن لا يستفيد من هذه المرحلة لتصحيح مسار أعمال منشآته فلن يتمكن من البقاء بالسوق وفي أحسن الحالات لن يكون من أصحاب التنافسية والحصص الكبيرة في نشاطه.