د. سلطان سعد القحطاني
يعتبر إبراهيم مفتاح الباحث الفرساني الأول، حيث وهب قلمه وفكره لتلك الجزيرة مسقط رأسه، فلا تجد إصداراً واحداً يخلو من ذكر جزيرته، ولو أن كل واحد منا اهتم كما اهتم إبراهيم بجزيرته، لكونا مكتبة ضخمةً في بلادنا، ولسنا بعاجزين عن ذلك، في هذا الزمان الذي تعلم أبناؤه البحث العلمي وطرقه ومسالكه، إضافة إلى المبدعين، في الشعر والرواية، وقد كان الرواة الشعبيون يتحدثون عن أقاليمهم وأمجادها، لكنها تلك الروايات الشفوية التي لم يدون منها إلا القليل للأسف بعد زوال أصحابها. تعتبر أم الصبيان من الروايات التوثيقية لتراث تلك الجزيرة، فهي سرد ممزوج بالخرافة الشعبية، بطلها شاب من تلك الجزيرة قام بدفن أو إعدام بيض تلك السلحفاة التي دفنت بيضها في رمال الشاطئ، فقام بإعدامه، فأرادت الانتقام منه فسببت له العقم، وقد أحبته وأشفقت عليه، فاكتفت بذلك، وقد كشف لنا الكاتب معنى تلك العبارة من خلال سياقها الفني، كما ذكرت من قبل، وما كان يدور حوله من الخرافات في الزمن السابق على ألسنة بعض الرواة الناقلين عن غيرهم كيفما اتفق، فقد نقل تلك الخرافة بحرفية عالية، حيث ذكر أو صور ذلك المخلوق من عالم الجن الذين يتلبسون بعض المخلوقات والكائنات البرية والبحرية، ويتسببون في إيذائهم حيناً، مما جعل الدجالين يستغلون سذاجة العامة، ويأخذون أموالهم بالباطل بحجة الشفاء من تلك المخلوقات الغيبية، التي زعموا أن الإنسان آذاها بشتى الطرق وهو لا يعلم، وكان السرد المنطقي، وهو ليس شرطاً من شروط الرواية، لكنه ضرورة في بعض الأحيان، بشرط أن يمزج بالخيال، فيشد بعضه بعضاً في نسيج روائي، وذلك ما حصل في هذه الرواية. لقد وظف إبراهيم مفتاح تلك الأسطورة المتداولة عن تلبس الجن لبعض الحيوانات، وقد لحقت على كثير منها في الريف الأحسائي في العقود الماضية عندما كان الظلام يخيم على القرى، نظراً لعدم الإضاءة الكهربائية قبل تعميمها في أواخر القرن الميلادي المنصرم، والتصديق بعوالم الغيبيات لدى الجيل السابق، وتلك كانت فرصة للدجالين والمعالجين الذين يوهمون الناس بتلك الخرافات الغيبية، ونحن لا ننكر وجود ذلك العالم من الجن وقد أثبتها الله تعالى في سورة كاملة في القرآن الكريم، وهذا حديث يطول، ويخرجنا عن موضوعنا الرئيس، فهذه الرواية تعطي فكرة عن تلك الأجيال التي توارثت الموروث الشعبي بكل تفاصيله وما يحمل من خوارق للعادة، أما بناء الأحداث فقد أجاد الكاتبصياغاتها في لغة جميلة سهلة ممتنعة، وليس ذلك بغريب عليه، فهو صاحب تجربة ثرية، علماً وثقافة، وهو من الذين أثروا المكتبة العربية والسعودية على وجه الخصوص بمؤلفاته القيمة - إبداعاً وبحثاً علمياً- اختص به منطقته وجزيرته بالذات فرسان، فلو أن كتابنا ومبدعينا على الخصوص اهتموا مثلما اهتم لكونا مكتبة تراثية قيمة عن أجزاء المملكة، مترامية الأطراف، مسحاً لتراثها الفني العريق، من أساطير وغيرها، كما بدأها الأستاذ عبد الكريم الجهيمان في العقود الماضية.