د. حسن بن فهد الهويمل
مصطلح (النص) جذاب، ومغرٍ، وبخاصة عند من استهواهم (علم اللغة) الحديث عند (الغرب) البعض من النقاد المتشبعين، يخفون هذا التأثير. ويزعمون أن فيوض الحديث عن (النص) بوصفه لغة من عند أنفسهم. والبعض الآخر يعيش حالة الدهشة، والانبهار، وإلغاء الذات، والذوبان في الآخر.
وما يدري أولئك أن الحضارة الإنسانية تراكمية، توارثية، وأن كل إضافة لبنة في البناء الكلي، أو كما قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.. ومثلما أننا اليوم عالة على مناهج الغرب وآلياته، فإن الغرب كان وما يزال عالة على تراث الأمة العربية.. لقد سرق ملايين المخطوطات، وامتص نسغها، وتمثلها وأعادها لنا خلقاً آخر.
ومثلما يستنزف الغرب (خامات) عالمنا اليوم ويحولها إلى أصناف عده من الصناعات، فإن المفكرين والعلماء والنقاد الغربيين يمارسون العمل ذاته.
قلت عن النقد اللغوي: إنه نقد هروبي، مارسه نقاد (براغ) للتخلص من الإلزام الماركسي، غير أن الأمر فيما بعد اتخذ مسارات أخرى، تجاوزت محاولة الهروب، وذلك بعدما أعجب النقد الحديث بمنجزات (علم اللغة) في الغرب. واستغلها بشكل حوّل النقد إلى معيارية صارمة غيبت: الشعرية، والأدبية، والذوق، والانطباع. النص بنية لغوية، والبنية تنازعتها (البنيوية) و(التفكيكية) ومع أن البعض يجهل البعد الفكري في المنهجين، فإن التطبيق يكشف عن فشل ذريع عند البعض.
نقاد (المغرب العربي) أكثر قدرة على تمثل تلك المناهج اللغوية الحديثة من النقاد المشارقة، لقرب صلتهم بتلك المدارس.
وعلى الرغم من كل التحفظات فإن النقد الحديث شكل منعطفاً مهماً، وبخاصة عند النقاد غير الأكاديميين.
لقد سيطرت المناهج السياقية ردحاً من الزمن على أقسام الأدب في الجامعات، ولم تنسقْ وراء المستجد إلا بعد عودة المبتعثين، والتوسع في الترجمة، وتجسير الفجوات بين المشرق العربي، والغرب.
بعد عودة الشباب اندفعت أقسام الأدب في الجامعات وراء المستجد بشكل مخيف، فطلبة الدراسات العلياء لم تكتمل عندهم الأهلية بعد. وحتى الكثير من أساتذة الجامعات اشتغلوا على المناهج السياقية، واتخذوا المستجد ثقافة، لا تخصصاً. ولهذا أتقنوا التنظير، وأخفق الكثير منهم في التطبيق.
الموهوبون كأصحاب النصوص المتأنقة يكتبون بعفوية متناهية، ويبدعون أما الصانعون المتصنعون فيقيدون أنفسهم
بمعيارية النحو، والصرف، والبلاغة، والإملاء.. ومن ثم يبدو التصنع. وتبقى إشكالية النص قائمة ما أقام (عسيب).