اللُّغةُ العربيَّةُ لغةٌ واسعةٌ مرنةٌ، لا يُحيطُ بها بشرٌ، ولا يَحكمُ بها إلَّا مُطَّلعٌ، قد أعياهُ دقائقُها وبواطنُها وجذورُها، أسعدَهُ عندما أومأَ له وجهٌ مِنْ وجوهِهِا يوسِّعُ حَاجِراً، وأحزنَهُ عندما ظهرَ له وجهٌ يظنُ أنَّهُ خطأٌ، لا تُدركُ منها إلَّا ما قَدْ سَلَفَ علمُهُ.
ولا تمتطيّ إلَّا ما قَدْ ذلَّلْتُهُ برِكابِ السهرِ والتعبِ، يستعصي عليك وجهٌ تكلَّمتْ به أقوامٌ قد بادوا في العصورِ الأولى لَمْ يصلْنا، أو تبدَّدتْ جنباتُهُ مَع مرورِ الزمنِ، ظهرَ بعدَهَا مُشَوَّهاً لا يُلقى له بالٌ، أو احتضنتَهُ أيادي العلمِ، يترعرعُ بينَ كنفاتِها حتَّى لاحَ بَرْقَاً يتلألأُ، ثمَّ سَارَ إلى مَهْدِ التَّطورِ في سباتٍ عميقٍ يرقدُ، ثُمَّ يتمخضُ بوجهٍ جديدٍ قد ظهرتْ قسماتُهُ تتوهجُ، وحبورُنا عندما يَتَكَشَّفُ لنا وجهٌ منه نظنُهُ قَدْ مَاتَ فإذا هو حيٌّ يسعى.
وقد نتلَّقفُ منه وجوهاً لا أوجهاً، لا نظنُّ أنَّنا قد أحطْنَا بها عِلْمَاً، لكنْ ما نراه لا ما نسمعَهُ، وشاهدنا في ذلك ما ذهبَ إليه الحجازيونَ وبنو قيسٍ في جمعِ المذكرِ السالمِ إلى إعرابِهِ بالعلاماتِ الفرعيَّةِ بالواوِ رفعاً وبالياءِ نصباً وجراً، والتميميونَ وبنو عامرٍ إلى إلزامِهِ الياءِ وإعرابه بالحركاتِ الظاهرةِ، وعليهما وردَ الحديثُ الشريفُ: (اللَّهُمَّ اجعلْها عليهم سِنيناً كِسِنينِ يُوسفَ) وفي رواية: (كسِنِي يُوسفَ).
وذهبَ قومٌ إلى إلزامِهِ الواو وفتح نونه وإعرابه بالحركات المقدَّرة، ومنهم من ألزمه الواو وأعربه بالحركات الظاهرة، وأجراه بعضهم مجرى جمعِ التكسيرِ في بعضِ الكلماتِ كسنين وأرضين، ومنهم من زادَ عليه وجهاً سادساً يجريه مجرى المفردِ كمسكينِ وغسلينِ كقولِ الشاعرِ سُحَيم بن وَثيل الرِّياحي:
وماذا تبتغي الشُّعراءُ مِنِّي
وقدْ جاوزتُ حَدَّ الأربعينِ
حيثُ جُرَّ بالكسرةِ على النونِ كالمفردِ، هذا السُّداسيُّ اللُّغويُّ احفظْهُ وعلّمْهُ، وأنت تفتخرُ بعربيتِك الَّتي إعجازها في مرونتِها وسهولتِها، وهذا يحققُ القاعدةَ العريضةَ في الإسلامِ: (يُريدُ اللهُ بكم اليسرَ ولا يُريدُ بكم العُسرَ) فتكلَّم أنَّى شئتَ.
** **
د. فهد المغلوث - أستاذ النحو والصرف والصوتيات المساعد بجامعة حائل