«الجزيرة الثقافية» - محمد هليل الرويلي:
على غير العادة تكون مقدمة هذا العدد! أما لماذا فلكون ضيفتنا كتبت ذاكرتها وهي تمر بظروف استثنائية عسيرة، يصعب معها ذكر أي شيء..
يومها، أرسلت بطلب «تأكيد وصول» أسئلة استضافة الزاوية إليها. فأكدت ذلك وانتهى كل شيء.. بعدها بيومين، أصابتني الدهشة. عدد من الزملاء الإعلاميين، ينشرون رسائل عبر «شبكات التواصل الاجتماعي»، موجهة للزميلة الكاتبة «تغريد الطاسان»، يرجون الله فيها: أن يتمم عليها الصحة والسلامة وبناتها. لم أكن على علم بذلك «جائحة كورونا» التي طوفت العالم، امتدت تقتفي أثر «الطاسان» وعدد من أفراد أسرتها! وتتمدد نحو القصبة والشّعب الهوائية بصدرها وبناتها -حفظهم الله– جميعًا. فسارعتُ للاطمئنان عليها والسؤال عن حالها وزهراواتها..
اليوم أكتب مقدمتي، وقد أعلنت خروجها من أحد مراكز الحجر الصحي «لحجر منزلي» مدة 14 يوماً أخرى. كتبت: ويا رب أسعدني بشفاء باقي بناتي اللاتي تركتهن هناك.. وكل مريض بقدرتك ورحمتك. «الثقافية» تسأل الله لها ولبناتها، الصحة والسلامة وترجوه أن يتزامن صدور هذا العدد والفرحة قد اكتملت.
فيا لهذه الإنسانة، المؤمنة المتوشحة بطاقات من روح التفاؤل والعزيمة والصبر. إن من يتأمل سيرة ضيفتنا في هذا الحوار، يزداد يقينه أن ما حملته من فكر ووعي وسكينة روحية إنما منبعه المحطات المشار لأجزاء منها فيما دُوّن أدناه من ذاكرة تغريد الطاسان التي كتبته قبل خروجها فترة «الحجر الصحي».
ابنة رجل عاشق للقراءة
قالت الكاتبة «تغريد الطاسان» القراءة هي ممارسة نرحل معها إلى ما نشعر به وما نريد الحديث عنه.. البعض قد لا يعرف كيف يتحدث ولكنه يعرف جيداً كيف يقرأ ويكتب.. وهذا هو المهم.. من نعم الله علي أن جعلني ابنة لرجل عاشق للكتب، بل لا أظن أن هناك كتاباً على الأرض ليس عنده أو لم يقرأه، رغم كل حجم مسؤولياته العملية، إلا أن شغفه بالقراءة مستمر ويجد كل الوقت لها، لأنها تمنحه الثبات وتنمي المعرفة إليه وتجعله يفهم ما حوله أكثر.. ومنه تشربت كل الحب للقراءة، كنت أجلس في حضنه وهو يقرأ وأنا لم أتعلم القراءة بعد، لذا كنت مع الكتب كعائلة واحدة..
في المرحلة الابتدائية كانت مكتبة المدرسة هي أول المشوار مع القراءة الرسمية، عشقت سلسلة المكتبة الخضراء، التي منحتني بساطة اللغة وروعة الخيال وجمال المعنى..
لن يستطيع أحد ممارسة الحياة ما لم يقرأ كثيرا، ويستمع أكثر ويناقش هذا وذاك، من تلك الممارسات تنشأ اللغة ويبدأ القلم يقدم نفسه والفكر يجد متسعا له.. حين وصلت للصف الثالث متوسط، كنت أقرأ كل ما يقدم لي، لم أكن قادرة على اختيار الكتب بعد ومعرفة ما الذي يفيدني أكثر.. وبدأت أقرأ كتب الروايات والخيال العلمي من خلال الألغاز وكتب الجيب الصغيرة.. وكانت مشوقة لأتوسع فيها وأقرأ كل كتب السلسلة..
«ذهب مع الريح ونساء صغيرات»
في أول ثانوي قرأت «ذهب مع الريح» وحينها بدأت مرحلة جديدة عندي فكرا وتأملا.. وتبعتها «بنساء صغيرات» و»أحدب نوتردام» لازداد شغفا بالأدب الغربي وأبحر فيه.. وفي الجامعة بدأت أعرف وأهتم وأختار وأميز بين الغث والسمين وأجد عقلي هنا ويرحل قلبي هناك..
كان أول كتاب قرأته «النظرات والعبرات» للمنفلوطي، أهداني إياه أبي وأنا في رابع ابتدائي وقال سأناقشك فيه، وكان ممتعا قراءة وممتعا فكرا وتجارب وأساليب لغة وحياة. وأول كتاب اشتريته «رواية ذهب مع الريح» فيما كان «الأربعين النووية» أول كتاب أستعيره.
وحول تجربتها مع التأليف قالت «الطاسان» كان كتابي الأول «تغاريد» وكان حلم حياتي أن يكون لي كتاب متداول وبين أرفف المكتبات، ومهما تعددت كتبي بعده، إلا أن هذا الكتاب له مكانة خاصة، لأن كل حرف فيه كان من قلب ونبض صادق، وكل فكرة تضمنها صاغها عقلي بتجرد وموضوعية. لقد كانت أهم نصائح أبي لي -يرحمه الله- ألا أهدي أحدا كتابا خاصا لي، أشتري له، أطلبه له، لكن دون أن يأخذ كتابا لي وأفقده..! وللأسف لم أستمع لنصيحته كما يجب، وخسرت كتبا كثيرة، بسبب أصدقاء لا يقدرون قيمة الكتب كما يجب، لذا أصبحت إذا أعجبني كتاب أشتري منه عددا من النسخ لأجل ألا أفقد نسختي فيما بعد!
كتب شبه محرمة صعبة الاقتناء
فيما الكتب التي واجهت صعوبات في شرائها من معارض الكتب أو من المكتبات: في مراهقتي، كانت كتب إحسان عبدالقدوس شبه محرمة، بالإضافة لبعض الكتب الفلسفية، لكني متى ما رغبت في كتاب فلن أغلب الحيلة.
- بعض الكُتب تجعلك تجتاز دربًا وعرًا يشعرك أنك مخلوق جديد مفعم بالحياة بعد أن سرى هذا الكتاب في ذهنك ضيفنا الكريم أي كتاب هو ذلك وأي روح بعث بعد قراءته؟
وفي معرض إجابتها عن الكتب التي بعثت داخل روحها الروح الجديدة المفعمة بينت «الطاسان» لا أنسى تجربتي مع سفارة النرويج للحصول على نسخة من كتاب عالم صوفي لأنه كان أحد المحرمات وأنا بالمرحلة الجامعية، ولكن بعد زيارتين للسفارة حصلت على نسخة وكانت منعطفا في حياتي مهم فكرا وتأملا لما حولي من حياة.
بودي أن «وزارة التعليم» تقرر
وفي وصية الكاتبة تغريد الطاسان للقراء والمتابعين قالت: اقرأ كل كتاب يستفز عقلك فهو يستحق القراءة، وكل عقل بكتابه معجب، وكل نبض لسطور مغرم.. لكن بودي لو وزارة التعليم تقرر كتاب «أي بني» للدكتور عبدالعزيز الخويطر على طلابها، لأن هذا الكتاب فرصة لأن يتعرف طلابنا على حضارتنا وقيمنا ومبادئنا من خلال أسلوب أدبي متناهي الجمال.