زكية إبراهيم الحجي
من بين المفردات الأكثر شيوعاً وتداولاً خاصة في المجال السياسي والعسكري والاقتصادي هي مفردة «استراتيجي» مفردة تستخدم استخداماً واسعاً دون تحديد واضح لمعناها أو تعريف لأبعاد مفهومها وحدوده رغم أنها تحمل أكثر من معنى ويتفرع من جذرها اللغوي جملة فروع فيصبح لمفهومها منحنى أوسع وتشمل مجالات متعددة لها مساس بالتطور الاجتماعي والتقدم العلمي والتفوق التكنولوجي وأنماط التفكير المرتبطة بوضع الخطط المستقبلية.. واتخاذ القرارات المناسبة الكفيلة بتحقيق أهداف أي منظومة عمل. ومن المناسب قبل الخوض في التفاصيل أن نتعرف على أصل مفردة «استراتيجية» وماذا تعني؟. يعود أصل هذه المفردة إلى العرقية الإغريقية القديمة وتعني «الفن العام» وأُطلقت أساساً كلقب على القادة العسكريين.. وتطور مفهوم هذه المفردة عبر التاريخ لتشمل مجالات متعددة ومختلفة ومنها التفكير الاستراتيجي وأهميته في التوجه المستقبلي.. وفي هذه المساحة سأتناول بإيجاز التفكير الاستراتيجي ومدى أهميته في التوجه المستقبلي بشكل عام.. فمن منا لا يريد أن يدرك ماهية التفكير الاستراتيجي ومن منا لا يريد أن يمتلك مفاتيح الحكمة في اتخاذ القرارات الدافعة لأي تغيير إيجابي.
الجميع له دور في صناعة المستقبل لذلك فإن التفكير الاستراتيجي هو في حقيقته منهج يعتمد على الإبداع والابتكار وتقديم أفكار جديدة وغير تقليدية وهنا تكمن الأهمية، حيث إن ذلك سيكون مدعاة للتنافس في جميع المجالات من خلال التفكير الإبداعي واكتشاف تطبيقات مستحدثة بالاعتماد على المعطيات المتوفرة والخبرة المكتسبة من تجارب الماضي.
يقول الأديب الأمريكي «هوارد موفورد جونز» والذي أدار جامعة «هارفرد» حتى وفاته عام 1980 «عصرنا هو العصر الذي يفخر بالآلات التي تُفكر ويرتاب من الرجال الذين يحاولون التفكير لبضع دقائق دون نتيجة». مقولة الأديب الأمريكي تشير وبشكل مبطن إلى أن التفكير الاستراتيجي ثروة إنسانية مهمة لكن للأسف يعتقد الكثيرون بأنهم أكفاء جداً في ممارسة هذا التفكير لذلك لا يستفيدون من هذه المَلَكة إلا بشكل ضئيل مما يجعلهم لا يفكرون في بذل أي مجهود لتنمية كفاءتِهم بشكل مستمر، علماً بأن أي نجاح يتطلب تحقيق توازن أمثل ما بين التفكير الاستراتيجي وتنفيذ خطط الأهداف المرسومة للمستقبل.
إن القدرة على التفكير الاستراتيجي أمر في غاية الأهمية للتكيف مع أي تغيير سريع، كما أنه يُسهم بشكل فعال في توليف الأفكار وتعزيز المهارات والقدرات وتوظيف الخبرة وبالتالي التميز في المنافسة..كما يُعد التطور السريع الذي تشهده التكنولوجيا عاملاً مساعداً وداعماً للتفكير الاستراتيجي وزيادة التركيز على الأوجه الإبداعية بما يضمن التأثير في فاعلية اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
الاستراتيجية فنٌ وعلم، والدلالة التي ترافق مفهوم الفعل الاستراتيجي هو التلاؤم وفي اللغة الدارجة عندما نقول عن أمرٍ ما إنه استراتيجي فذلك يعني أنه «مهم» أي أننا نطلق هذه الصفة على الأشياء المهمة والتي لا تُقدر بثمن إن جاز التعبير.. إن غياب التفكير الاستراتيجي من حياتنا يجعلنا نتحسس الآثار السلبية في خطوات التوجه المستقبلي نحو تحقيق أهدافنا سواء على مستوى الفرد أو المجتمع.. والحقيقة أجمل ما يُقال عن التوجهات المستقبلية هو أن «التفكير الاستراتيجي.. منهج حياة من خلاله نستطيع أن نحقق ما نصبو إليه».