د. محمد بن إبراهيم الملحم
وزارة التعليم بالمملكة قامت مشكورة بجهود كبيرة في تأسيس بنية إلكترونية تحتية مكنتها اليوم من تفعيل التعلم عن بعد لمواجهة مشكلة الجائحة العالمية لمرض كوفيد - 19 وانتشار فيروس كورونا المتحول، وماهو بين يدي الطلاب اليوم تتمناه بعض نظم التعليم في دول مختلفة من العالم اليوم، فهناك الكتاب الإلكتروني مدعم بمواد إثرائية، وهناك نظام إدارة التعلم LMS بكل ما فيه من وظائف إدارة وتفاعل ومحتوى علمي منهجي، وهناك القناة التلفزيونية «عين»، ولا تزال هناك إمكانية للمزيد، ويبقى السؤال المهم كيف يمكن تفعيل هذه الموارد على نحو إنتاجي يحقق أهداف التعليم فيما لو استمرت الجائحة لمدة أطول من المتوقع! فهذا المرض جديد تماماً، وعلاجه لا يزال معدوماً، وحتى العلاجات المخففة لأعراضه (مثل دواء الملاريا) لا تزال محل تساؤل فهي لا تعمل في كل الحالات، كما أن اللقاح الذي يمكن أن يقدم الوقاية للناس منه لا يزال تحت التجارب الأولية وبعدها يحتاج إلى تجارب أخرى طويلة الأمد (غالباً سنة كاملة تقريباً)، وفوق هذا فإن من يصاب به ويشفى لم تثبت بعد ماهي مدة الحصانة التي يمكن أن يحصل عليها هل هي طوال العمر أم سنوات أم شهور! أقول هذا من خلال متابعتي لما يقدمه الدكتور البريطاني جون كامبل John Campbell في حلقاته على اليوتيوب والتي يعرض فيها أحدث نتائج تقارير الأبحاث العلمية من مصادر مرموقة.
علماء التخطيط يصنفونه إلى نوعين تخطيط تفاؤلي Optimistic Planning وتخطيط تشاؤمي Pessimistic Planning وهذا الأخير هو الذي يجب أن نتعامل به اليوم طالما أننا اليوم (كما شرحت آنفا) أمام حالة من «عدم التحديد» Uncertainty وهي الحالة التي كثيراً ما يخشاها المخططون ويجعلوها نصب أعينهم كعامل ذي قيمة مؤثرة في قراراتهم، ومن هنا فإنه يجب أن نتساءل ماذا سيحدث في سبتمبر؟ ماذا لو لم نتمكن من فتح المدارس مرة أخرى بسبب استمرار الحالة؟ بل لو عادت الحياة الطبيعية إلى وضعها وفتحت المدارس فيجب أن نتساءل أيضاً ماذا سيحدث في فبراير القادم عندما تشتد موجة البرد مرة أخرى؟ حيث صنف بعض العلماء هذا المرض أنه مرشح بقوة أن يكون مرضاً «موسمياً» وهذا يعني أن نفس السيناريو 2020 قد يتكرر 2021 ، وهنا أدعو إلى تبني استراتيجية ديمومة sustainability في مواجهة هذا الخطر (وغيره من الأخطار) باستكمال العقد الجميل في منظومتنا للتعلم عن بعد وذلك من خلال تدريب المعلمين، فإننا اليوم لا نرى «كل» معلم متواجد في منصة التعلم عن بعد وإنما عدد منهم فقط، وهؤلاء المتواجدون يستخدمون «بوابة المستقبل» فقط وهي التي بدأت منذ أكثر من سنتين وتعود عليها هؤلاء المعلمون النشطون لكنما «منظومة التعلم الموحدة» لا تزال غير مستخدمة (هذا فيما اطلعت عليه ووصلني من عدد كبير من الزملاء والمعارف).
الطلاب في الجانب الآخر لم يتفاعلوا مع جميع الدروس وإنما تلك التي تواصل معهم معلموها عبر بوابة المستقبل! هناك حالة من التراخي لدى الطالب ولا يزال يشعر أن هذه حالة مؤقتة لا تتطلب منه الاهتمام (وربما بعض أولياء الأمور أيضاً!). تواجد المعلم وتواصله مع الطالب هو ما سيجعل الطالب يبادر يومياً بالدخول على المنصة والتعلم منها بدلاً من ملاحقة أهله له، ولن أتحدث طبعاً عن دور المتابعة ورصد العلامات وإشعار الطالب بهذه المتابعة وأنه محل تقييم يومي لحضوره وأنشطته وتفاعله واستجاباته.. إن هذا ما يجب أن يقرر بشكل إلزامي على كل معلم لا أن يترك المجال لاجتهاد المعلم ومبادرته، فنحن نتحدث عن تعليم نظامي يحتاج إلى أن يكون له نسق متكامل يجعل الجميع يدور في فلك نظامه ويحترم قيمته. إذا كانت مفاجأة هذه السنة لنا صادمة وإذا كان ما حدث الآن من تأخر في التطبيق هو نتيجة هذه الصدمة وتسارع المفاجأة فلا بأس وهذا محل تقدير خاصة أن مهمة الوزارة صعبة جداً في ظل اتساع الحجم وتشعب المهمات، ولكن يجب أن تبدأ خطة ذات ديمومة لمواجهة سيناريو الغد سواء كان سلبياً واحتجنا إلى هذه الإجراءات مرة أخرى (أو هو استمر ولم يقف) أو حتى إن كان إيجابياً وانتهت الأزمة إلى غير رجعة، فيجب أن نستثمر في الجهود والخسائر المبذولة والخبرات التي تكونت، كما نستثمر في الطاقة الإيجابية التي خلقتها الأزمة نحو التعلم عن بعد لنجعله ممارسة مستمرة، أتمنى أن تبدأ برامج تدريب مكثفة للمعلمين والمشرفين والمديرين حتى تضمن الوزارة الإتقان المطلوب لتشغيل تام لهذا النظام وليغدو التعليم عن بعد ممارسة مستمرة في مدارسنا، بل لن أبالغ لو قلت حبذا أن تقرر الوزارة تدريس عدد من المقررات بالتعلم عن بعد فقط، خاصة المقررات التي لا تحتاج إلى المعامل والوسائل الكثيرة مثل مواد العلوم الشرعية والإنسانيات، وذلك لكي تستمر هذه العادة لدى طلابنا (وأولياء أمورهم) وكذلك لدى المعلمين والمديرين والمسئولين التربويين ومتى احتاج الموقف أن تمارس لمواد أخرى لم يكن ذلك شيئاً غريباً أو جديداً طارئاً، أمنية أرجو أن تتحقق.