د. خيرية السقاف
غالبًا ما تأتي الأزمات لتضع المرء في مواجهة مع نقائضه، فإن اتخذها تذكرة، بإدراكه الحكمة فيها نأى عن قصوره، وتفريطه، ونقصه، وإسرافه، وأخطائه، واتجه لإعادة صياغة مسالكه، بل مقاصده، وحرص على عدم العودة للسالب فيه، والحرص على موجبه..
وإن هو سدر في عدم التفكر في الأزمات، بتقليب أوجهها، والغوص فيها، وما يمكن أن تنطوي عليه من الإيجابيات حين تكون زائراً عنيف الطرق، ليصغي إليها بوعي، وينظر إليها دون تذمر، وإنما يبدد وقتها في تحد باستغراق في عدم المبالاة بها، مع أنها بصيص ضوء تفتح له نوافذ على دخيلته، أو على طريقة حياته، أو على مكنون أفكاره، أو على نمط عاداته، فإنه سيخسر مزيداً من فرص القفز بالانتصار عليها..
الجائحة التي تمر بالبشر، ونحن منهم طارق عنيف قيَّد حركة الإنسان حتى جعل جدار الجار مساحة مدينة عن أخرى لا يلتقيان إلا عن طريق مهاتفة!..
تلك الحرية في التنقّل، وفي تناول الوجبات في المطاعم الخارجية، والتسوّق الجنوني، والسهر خارج البيوت لساعات متأخرة، وتجمعات الصحب في الاستراحات، بل على حواف الأرصفة، والسبق في الطرقات بسرعات خارقة للنظام، وكسر قواعد العلاقات الأسرية بالتبعد، والشتات
خلف أجهزة المنصات الافتراضية، والإسراف في التبضّع، وارتياد المتاجر كمقاصد لقضاء الوقت، وكثير..كثير من المسالك الهادرة التي على حين أزمة الجائحة الراهنة فغر فمه دهشة وهو مقيد عن كل ذلك الهدر الصحي، والزمني، والمادي، والعلائقي، بل إنه هدر بمكنونات الوعي حين لا يتاح في خضمه الكلي وقت لأن يدرك نقائضه التي الآن تنبسط بين يديه تفاصيلها وهو في عزلة بنزول هذه الأزمة به..
ومن الحكمة النظر في نقائض الذات، ومسالكها، والتفكر في جوانبها المشرقة، لتجاوز ما يؤدي لخسارة الفرد لمكاسب آتية حين يعيد صياغة ما اعتاد، تفكيراً، وممارسة، ومسلكا، في جوانب حياته، وعلاقاته، وعطائه، جدِّه، وهزله، حرصه، وتفريطه، إمكاناته، ومنجزاته..
فالأزمات غالباً ما تعيد في الإنسان تشكيل مساره للأفضل حين يجدُّ، وللمكسب حين يعي.