د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
يُروى أن الرئيس الأميركي «رونالد ريغان» -في حملته الانتخابية للفوز بمنصب الرئاسة ضد «جيمي كارتر» عام 1980 م- سُئلَ عن أسباب التلوث فأكد أنها «الشجر»، وبالرغم من تندر الناس بجهله فقد فاز بفارق ضخم، وصار من أهم الرؤساء الأميركيين، وقد استشهد بهذه الطرفة فيلم «تغيير اللعبة» الذي حكى عن انتخابات عام 2008م وتنافس فيها «أوباما- ماكين»، وانتصر أولُ رئيسٍ أسود في تاريخ الولايات المتحدة.
** محور الفيلم كان المرشحةَ لمنصب نائب الرئيس «سارا بالين» حاكمة ولاية ألاسكا، ومناسبةُ الاستشهاد بإجابة «ريغان» جهلُ «السيدة» ببعض المعلومات السياسية والاقتصادية، وقد استند الفيلم على كتاب قيل حولهما ما قيل، ومنه أن هدفَهما تعزيزُ فرص فوز الرئيس «باراك أوباما» بفترة رئاسية ثانية، وستبقى الحقيقةُ مرتهنةً بمن يبحث لا من يعبث.
** يغير الإنسانُ نفسه سعيًا لتجاوز إخفاقاته، وكذا الأمة تطلعًا لتجاوز أزماتها، والمسافة كبيرة بين تغييرٍ تصنعه الذات الفردية والإرادة الجمعية وآخرَ تصهره المخططات فتتبدل الألعاب من غير أن تُفهمَ الأسباب، والأمم لا تكفيها لعبةٌ واحدة كما افترض ضابط الاستخبارات الأميركية «مايلز كوبلاند 1916 - 1991م» في كتابه: «لعبة الأمم» الذي أفصح عن بعض خفايا ما دار ومن أدار حقبة الخمسينيات والستينيات، وقد أحدث ضجيجًا هدأ بعدما استنبتَ ألفَ ضجيج.
** في الضفة المجاورة لعبٌ ثقافية لا يتداخل فيها جاسوسٌ بمنطق «كوبلاند» أو رتبته، بل لعل من أتقنوها لم يعُوا معنى اللعبة أو يعرفوا أدواتها، فهل كنا في نزهاتٍ ثقافية حين دخلنا مدارات الجدل المحتد والممتد منذ بدء عصر النهضة العربي الحديث -المرتبط عند كثير من الدارسين بغزو نابليون وحكم محمد علي- ومساراتها خواء وناتجها هباء، والمدافعون عن لجاجها متورطون فيها ليس أكثر، ولا معنى يوازي ما استُنزف من وقتٍ وما أُهدرَ من كتاباتٍ ليُزيح الأصغرُ الأكبرَ، وليدَّعيَ المجددُ ثبات التجدد.
** من يبتدئُ تأريخُه بمستعمر ويزهو بمستبد ويَرثُ عقلَه مستنسخون سيبقى في دائرةٍ مقفلةٍ لا ضوءَ فيها كما لا فيءَ، ومعاركُ الأُلى قضَوا ما تزال تصنعُ التيه لمن تلَوا، وما الظنُّ أننا تخطينا عتباتِ الترديد وصراخَ التصعيد وتحولَ الهدير إلى هدر.
** وكي نستعيد نماذج قريبة للتدليل؛ فهل يمكن تبرئةُ صراعات «الصحوة والعلمنة واللبرلة والمحافظة» من اللعبة التي تغيرت ملامحُها من موقفٍ إلى نقيضه ثم إلى نقيض النقيض؛ فعاش المكتهلُ الأدوارَ الثلاثة لألعابٍ متبدلةٍ حُسبت في خسائره الذهنية والنفسية؛ فلم يَنهضْ ولم يُنهضْ، وسيرى من يمتد به العمرُ أدوارًا تالية.
** لم يستنرْ اللاعبون كما لم يسترخِ المتفرجون، ولم نُعدْ قراءة عصر النهضة العربي بما يعي الألعاب والأتعاب؛ فقابلية الاستعمار التي ارتآها مالك بن نبي 1905 - 1973م ما تزال تتحكم في ثقافاتٍ وطنيةٍ وإقليمية.
** اللاعبُ لا يكبر.