اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
ليس ثمة شك أن كل الأعمال في هذه الدنيا شريفة، ما دامت توفر لصاحبها كسبًا حلالاً، وتمكِّنه في الوقت نفسه من تحقيق ذاته وأداء دوره في الحياة تجاه بلاده ومَن يعيلهم. وليس ثمة شك أيضًا أنه لا توجد أعمال وضيعة وأخرى عظيمة، ولا توجد أعمال بعينها مخصصة للنساء وأخرى مخصصة للرجال، كما يعتقد البعض خطأ، إلا أن هذا لا ينفي وجود بعض أعمال تناسب طبيعة المرأة أكثر مما تناسب طبيعة الرجل، وبالطبع العكس صحيح تمامًا.
وصحيح أيضًا أن كل مَن يعمل، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، يُسهم بدور معتبر في تعزيز اقتصاد بلاده، غير أنه ثمة أعمال دورها أعظم، وثوابها أكبر. وأعني هنا أصحاب العيون الساهرة العاملين في مجال الأمن من أصغر عامل/ عاملة أو موظف/ موظفة حتى الوزير، كما أعني أصحاب العيون الساهرة أيضًا والعقول المشغولة دومًا العاملين في المجال الصحي من أصغر عامل/ عاملة أو موظف/ موظفة حتى الوزير، أولئك الجنود الأوفياء المخلصين، الذين أصبح العالم يعرفهم اليوم بـ(الجيش الأبيض).. فلهؤلاء وأولئك كل العرفان والامتنان والشكر والتقدير، مع الدعاء الصادق إلى الله العلي القدير أن يجزل لهم الأجر والثواب على ما يضطلعون به من واجب عظيم في حماية البلاد والعباد -بإذن الله- من كل مكروه.
فقطعًا، كلنا يدرك تمامًا هذا الجهد العظيم الذي يبذله العاملون في مجال الأمن ليل نهار في منع الجريمة، وضبط المجرمين وتقديمهم للعدالة؛ لينالوا جزاءهم العادل وفق الشرع الذي هو دستور هذه البلاد ومنهج حياتها، إضافة إلى حماية أموالنا وممتلكاتنا وأعراضنا، والمحافظة على دمائنا -بإذن الله تعالى-، ومساعدة المجتمع للالتزام بتعليمات القيادة الرشيدة حماية لأفراده من الهلاك. وقد رأينا جميعًا انتشار رجال الأمن في كل شبر من هذه البلاد الطيبة الطاهرة المباركة، وهم يحضون الجميع على الالتزام بالحجر الصحي المنزلي، وبحظر التجوال في الوقت المحدد.. لا لتقييد حريات الناس كما يروج بعض الحاقدين المأجورين، بل لحمايتنا من هذا الوباء الخطير الغادر القاتل، غير آبهين لما يمكن أن يلحق بهم من جراء عملهم الشاق هذا من برد أو مطر، أو حر أو حتى تعرُّضهم للإصابة بهذا الفيروس الفتاك -لا سمح الله-، الذي يعملون بكل طاقتهم لحمايتنا -بإذن الله- من التعرُّض إليه وانتشاره بين أفراد المجتمع. وعليه، كان لزامًا علينا أن نتعاون معهم بكل ما نملك لتسهيل مهمتهم. فنلتزم بالتعليمات، والبقاء في منازلنا حتى بعد انقضاء وقت حظر التجوال الجزئي كما طلبت منا وزارة الصحة.
وبالطبع، يقودني هذا للحديث عن أبطال الصحة الأوفياء المخلصين الذين غارت أعينهم من السهر، ومما يجدونه من تعب ونَصَب وعمل متواصل ليل نهار، لدرجة حفرت فيها الأقنعة علامات بارزة على وجوههم النيّرة المشرقة، وتركت القفازات آثارها كالجراح الغائرة في أيديهم الطاهرة الشريفة، وفاح عبق المطهرات وسوائل التعقيم من ثيابهم البيضاء اللامعة النظيفة التي تذكّرنا دومًا بأنهم رسل رحمة حقًّا.
أجل، تتعرض الأخوات الماجدات والإخوة الأبطال في مجال الصحة إلى كل هذه المخاطر الجمة، ويهرعون في كل الظروف استجابة لنداء الواجب، باذلين قصارى جهدهم لأداء واجبهم لإنقاذ حياتنا نحن المواطنين، وكذلك ضيوفنا من الإخوة المقيمين بين ظهرانينا.. لا يفرقون في أداء واجبهم الإنساني وعملهم الأخلاقي بين وزير وخفير، ولا بين مواطن ومقيم.. فقد سبق أن أدوا القسم قبل تسلمهم العمل لبذل كل ما يستطيعون من جهد لإنقاذ حياة كل من يأتون إليهم، بصرف النظر عن الهوية والجنس واللون.
أجل، يتحمل الأبطال العاملون في مجال الصحة من سيدات ماجدات ورجال ماجدين كل هذه المشاق، بعيدًا عما يتركه غيابهم المستمر، ولاسيما في هذه الأيام العصيبة، من أثر على أسرهم؛ فهم أيضًا - كبقية خلق الله - آباء وأمهات وأزواج وزوجات.. هنالك مَن ينتظر رعايتهم، ويتلهف لعطفهم وحبهم وحنانهم خارج غرف الطوارئ وعنابر التنويم. بل أكثر من هذا: يتحملون كل تلك المشاق في جَلَد وشجاعة نادرة، لا يعرفهما غيرهم، وهم أكثر علمًا منا أنهم في خط الدفاع الأول عنا نحن الآمنين في بيوتنا، المستمتعين بالاجتماع مع عائلاتنا بعد غياب طويل من اللهث والركض الدائم في العمل، وكأننا اكتشفنا للتو أن لنا عائلات يسوؤها كثيرًا غيابنا المستمر عن دفء البيت وجو الأسرة السعيدة المتفاهمة التي عرفت كيف تدير شؤون حياتها لتوفر حياة سعيدة لكل فرد من بناتها وأبنائها.
أقول إن أولئك الأبطال الأشاوس الذين يعملون في مجال الصحة أكثر علمًا من أي شخص آخر أنهم هم -وليس أي شخص آخر غيرهم- الأكثر عرضة للوقوع فريسة لهذا الفيروس الغادر القاتل -لا سمح الله-، الذي أجمع العالم على أنه لم يشهد له مثيلاً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.. أجل، إنهم يضطلعون بواجبهم، وهم أكثر إدراكًا منا بما تعرَّض له زملاؤهم في دول موبوءة، كالصين وإيطاليا وأمريكا، حيث بلغت الإصابات بهذا العدو الشرس بين العاملين في القطاع الصحي الآلاف، فيما وصلت الوفيات إلى المئات.
وعلى كل حال، أدرك يقينًا، كما تدركون أنتم جيدًا أكثر مني، أن الحديث عن أشاوس الأمن في بلادي التي عرفها العالم اليوم بأكثر البلدان أمنًا وأمانًا، كما دعا لها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، حديثٌ ذو شجون كما يقولون، لا ينتهي. ويكفينا فخرًا أن بلادنا تكاد تكون البلاد الوحيدة في الدنيا التي لا توجد في سجلات رجال أمنها الأشاوس قضية مسجَّلة ضد مجهول، حتى تلك الجرائم التي تحدث بعيدًا في الصحراء، ويجتهد مرتكبوها في عدم ترك أي أثر يدل على جرمهم. وعلى كل حال، هذا مجال بحث آخر، أتركه لمقال لاحق، وربما لكتاب.
أما الحديث عن الجيش الأبيض، أبطال الصحة الأوفياء المخلصين.. رسل الرحمة والمحبة والسلام، فهو أيضًا ذو شجون، لا ينقضي؛ ويكفيهم فخرًا هذا التاج الثمين الغالي الذي يستحقونه بكل جدارة، الذي وضعه على رؤوسهم جميعًا سيدي الوالد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله ورعاه- من خلال إشادته بجهودهم الجبارة عبر خطاب الصراحة والمكاشفة التي عهدناها في مقامه السامي الكريم منذ عرفناه، استعدادًا للأسوأ. وبالطبع لا يعني هذا التهويل، بل من باب العلم بما يمكن أن يحدث -لا سمح الله-؛ حتى يكون الجميع على قدر المسؤولية؛ لنجتاز هذه المرحلة ونحن أكثر إيمانًا بخالقنا سبحانه وتعالى، وثقة به، وتوكلاً عليه، ورضاء بقضائه وقدره، وأكثر قوة وتماسكًا والتفافًا حول قيادتنا الرشيدة التي عهدناها دومًا تأخذ بكل أسباب النجاح والنجاة بعد توكُّلها على الله، ثم بذلها الغالي والنفيس، ولا تترك شيئًا للمصادفة أبدًا، كما أكد سيدي الوالد القائد الملك سلمان لحمايتنا ورعايتنا، وضمان استمرار رفاهيتنا، وتحقيق أمننا وأماننا واستقرارنا، واستمتاعنا بالحياة. ولعمري هذا هو دأب المسؤولين الأذكياء الحكماء الأوفياء المخلصين، المحبين لشعوبهم، المدركين لعظم المسؤولية.
وختامًا: أرجو من الجميع شاكرًا ومقدرًا عدم الالتفات لما يبثه أعداؤنا من إشاعات مغرضة، وأكاذيب وتضليل، لتحقيق مآربهم في النيل من بلادنا، ولاسيما في هذا الوقت الذي أدركوا فيه مكانتنا السامية بين الأمم، فيما تقهقرت بلدانهم بسبب فساد قادتهم إلى مقاعد التاريخ الخلفية. وعليه، فليراجع كل مَن يريد التأكد من صحة معلومة ما مصادرها الأصلية من أجهزة الدولة المعنية؛ ليجد ما يريده من دون أدنى زيادة أو نقصان. كما أرجو شاكرًا ومقدرًا أيضًا التعاون التام مع الإخوة الأشاوس رجال الأمن وأبطال الصحة المخلصين الأوفياء لأداء واجبهم، ومساعدتهم للعناية بنا.
أخيرًا وليس آخرًا: لنصفق جميعًا تصفيقًا حارًّا مدويًا لكل العاملين في مجال الأمن الشجعان من سيدات ورجال، من أصغر عامل/ عاملة أو موظف/ موظفة حتى الوزير، ولنصفق أيضًا تصفيقًا حارًّا مدويًا لكل العاملين في مجال الصحة الشجعان من سيدات ورجال، من أصغر عامل/ عاملة أو موظف/ موظفة حتى الوزير.. مع دعائنا الصادق لله الواحد العلي القدير أن يجزي قيادتنا الواعية الرشيدة عنا كل خير، ويحفظ بلادنا من كل سوء، ويبعد هذا الوباء الغادر القاتل، الذي اجتاح العالم، ودخل حتى قلاع الحكم في أوروبا وأمريكا، عن الجميع.