د. محمد عبدالله الخازم
بدأت الأخبار تنتشر حول فيروس كورونا في العالم، كنت أتعامل معها بحذر لكنه ليس عاليًا، أذهب للعمل، اجتمع وأضحك مع الزملاء وقت الغداء، فالأمر يخوف لكن لست متأكدًا من وصوله إلينا. ابنتي كانت أكثر قلقًا وتحذر من حاجتنا إلى مواد غذائية وإلى كمامات وقفازات ومناديل وغير ذلك. يومًا بعد يوم تزداد وتيرة القلق، السعودية تعلن نظام الحجر والتباعد الاجتماعي، ونحن ما زلنا ننتظر. أخيرًا أعلن الرئيس الخطر والاحترازات، وفجأة تزاحم الناس على المحلات لشراء الاحتياجات التي يريدونها. بعد نقاشات داخل العائلة الصغيرة، قررنا الذهاب للمتجر القريب وطلبت من كل شخص أن يحدد ما يراه مهمًا لفترة عزلة مدتها أسبوعان. بعد استبعاد المناديل والمعقمات من القائمة حيث كانت رفوفها فارغة. هناك من اختار الرز وهناك من اختار الشوكلاته! تأملت خيارات الناس وخيارات أبنائي، تنوع كبير لكن بالإمكان ملاحظة الفروق؛ اختيارات الهندي تختلف عن الأمريكي الأبيض عن المكسيكي. اختيارات ابنتي الصغيرة تحتلف عن اختيارات ابني. ما تراه مهما للحياة غيرك لا يراه كذلك!
أعلنت المدارس والجامعات التحول إلى دراسة عن بعد. اكتشفت أن ابني ليس لديه كاميرا على جهاز الحاسوب، وهو ليس من هواة أجهزة المحمول، باعتباره من اللاعبين الإلكترونيين الذين لا يشفي غليلهم سوى كمبيوتر المكتب. أحضر مايكرفون لكن طرأت مشكلة صغيرة، تمثلت في إصرار إحدى أساتذته على أن يكون حضور الدرس عن بعد صوت وصورة وليس صوتًا فقط. لا يوجد كاميرا مناسبة في الأسواق. أخذ الأمر تحديًا وقرر أن يناقش أستاذته في الموضوع، قلقت عليه ولكن ليس لي الحق في التدخل فهو طالب جامعي. هي ترى أن وجود الصورة يؤكد حضوره وهو يرى أنها شكلية وتمنح مؤشرًا لعدم الثقة في الطلاب من قبلها، كما أن لديه حججًا نظامية. انتصر في النهاية لرأيه وقد أكبرت صبر أستاذته وتقديرها لنقاشه ثم موافقته على ما يريد. سألت ابني؛ ما الذي جعلك واثقًا من أنها ستقتنع برأيك؟ أجاب: لأنها تحب طلابها وتتحمل نقاشهم، كنت واثقًا أنها تسمعني. منحني حكمة غردت بها لاحقًا!
لم أنزعج من عدم الذهاب لمقر العمل، فجميل أن ترتاح من روتين تتحول فيه التفاصيل الصغيرة إلى قضايا كبرى وتنافس ومخاطبات وكأن منتهى إنجاز البعض انتصاراته المتخيلة في ذهنه في أمور لا تعني لك شيئًا. يوم الأحد افتقدت فنجان القهوة وفطيرة الزعتر في المقهى القريب. تعودت أن أتسلل مبكرًا لأذهب للمقهى أكتب وأقرأ واستمتع بلقاء الأصدقاء الهاربين مثلي، لكنني بعد الحجر المنزلي أفتقد ذلك. استبدلت فكرة الخروج بلعبة مع الأصدقاء؛ بعثت لهم مقطعًا وطلبت تعليقاتهم. كانت تعليقات جميلة متعددة الزوايا والأبعاد. أحيانًا، الصورة تحمل ألف معنى عندما نمنح الناس فرصة التخيل، ولكلٍ زاويته التي يرى من خلالها...
وقبل إنهاء المقال، أصوات في الخارج، ما الذي يحدث؟ ثلاثة عمال يعبرون الشارع ومن النوافذ، الكل يصفق لهم. جمعت الأولاد وأحضرنا قدرًا معدنيًا، وكان التحدي لفت نظر الجميع بأن تحيتنا لهم تفوق تحايا الجيران. شكرًا لكل من يعمل خارج منزله ونحن نحتمي خلف الشبابيك خشية العدوى..