محمد سليمان العنقري
على الرغم من أن الاقتصاد العالمي ما زال تحت ضغط الإجراءات الاحترازية للحد من تفشي وباء كورونا، حيث تعطلت قطاعات واسعة عالميًا وانهارت البورصات ويتوقع أن يصل التراجع على طلب النفط بحدود 20 في المائة، والأهم من كل ذلك هو انتظار التوصل لعلاج يحد من خطورة الوباء إلى حين اكتشاف لقاح يمثل الوقاية الرئيسة منه، ومع حالة التشاؤم التي تحيط بعالم الاستثمار بشكل عام إلا أن أنظار المستثمرين موجهة لاقتناص الفرص لما بعد الأزمة التي ستنتهي عاجلاً أم أجلاً.
فبخلاف متابعة مستجدات التعامل مع الوباء إلا أن بيوت المال وكبار المستثمرين بدؤوا بفحص الآثار المستقبلية لحزم الإنقاذ واستعادة النمو الاقتصادي عالميًا خصوصًا بدول مجموعة العشرين التي أطلقت حزم بخمسة تريليونات دولار وأعلن عنها في القمة الافتراضية التي عقدت قبل أيام برئاسة المملكة العربية السعودية، يضاف لذلك التوصل لاتفاق خفض كبير بإنتاج النفط من قبل دول أوبك مع مجموعة دول منتجة من خارج المنظمة لإعادة الاستقرار لأسعار النفط مما يساعد الدول المنتجة على تحسين مواردها المالية بهذا العام العصيب، إضافة لاستعادة زخم ضخ الاستثمارات في قطاع الطاقة خصوصًا النفط لما له من اثر إيجابي مستدام على نمو الاقتصاد العالمي، فهذه الحزم التريليونية إضافة لإجراءات عديدة سيكون لها اثر كبير وطويل الأمد لاستعادة النمو الاقتصادي وإطالة أمده قبل أن يقع بأي ركود قادم.
فالإجراءات المتخذة لدعم الاقتصاد دوليًا سيكون لها انعكاس على أسواق المال والسلع وعودة النشاط بوتيرة عالية بالسنوات القادمة وهو ما يتطلع له المستثمرون، فالأزمة الحالية أثرت سلبًا في دور المستهلك الحيوي بالنمو الاقتصادي والناتج المحلي للدول، لكن نجد قطاعات مهمة كالقطاع المالي لم يظهر عليه أي تأثر ويعد هو جزءًا من الحلول كون هذه التريليونات ستمر عبره لقطاع الأعمال والأفراد أي أن الأزمة رغم قسوتها إلا أن تخطيها واستيعابها ما زال ممكنًا ولذلك يبدأ المستثمرون باقتناص الفرص التي لا يتكرر هبوط قيمتها بهذه الحدة إلا بظروف استثنائية ليس من السهل تكرارها بأزمنة متقاربة إضافة إلى تطلعهم للقطاعات التي سيتركز الطلب عليها بأكثر من غيرها مستقبلاً فقد أبانت الأزمة أهمية قطاع التكنولوجيا وكذلك القطاع الطبي بخلاف القطاعات التقليدية الرئيسة التي يبنى عليها أي اقتصاد كالطاقة والغذاء والقطاع المالي وغيرها.
وفي المملكة أخذت إجراءات عديدة ومتنوعة لحماية الاقتصاد والمجتمع من آثار هذه الأزمة العالمية ويلاحظ عودة تدفق الاستثمارات للسوق المالية بعد حزمة الإجراءات الأولية التي بلغت قيمتها 120 مليار ريال يضاف لها جهود المملكة في عقد قمة العشرين وكذلك اجتماع «أوبك +» وجميع هذه الجهود لخدمة الاقتصاد العالمي وعودة الاستقرار له، ولذلك لم يكن مستغربًا قدرة الاقتصاد الوطني لتحمل ومواجهة هذه الأزمة للوصول لبر الأمان لما يتمتع به من إمكانات فالاحتياطي المالي يغطي الواردات 47 شهرًا أي بثمانية أضعاف المعدل العالمي عند 6 شهور إضافة لانخفاض الدين العام ومرونة الاقتصاد للتكيف مع الأزمات واحتوائها فالخيارات عديدة لمواجهة أي سيناريوهات للازمة فيما لو طالت وهو ما انعكس بتصنيف وكالة فيتش للتصنيف الائتماني بتثبيت تصنيف المملكة عند A وهي درجة استثمارية مع نظرة مستقبلية مستقرة وهي النقطة الأهم التي تعبر عن قوة إمكانات الاقتصاد الوطني مما يعني استعادة النمو بوتيرة أسرع بعد زوال الظروف الاحترازية الحالية.
الشهور القادمة تحمل أهمية لمن يبحثون عن فرص للاستثمار المتوسط وطويل الأمد ولا بد من التفكير بما بعد الأزمة، فالحياة ستعود لطبيعتها تدريجيًا والعالم سيتجاوز هذه الجائحة لكن المتغيرات بعالم المال والأعمال ستكون كبيرة والتعاطي معها يتطلب تفكيرًا مختلفًا يقوم على أساس أن ما قبل الأزمة ليس كما بعدها من حيث توجهات الاستثمار والفرص التي ستتجه لها الأنظار لاقتناصها.