علي الخزيم
اتجه نفرٌ لاختيار أخبار ومقاطع مصوَّرة مُعبِّرة عن بعض الأحداث المصاحبة للأوضاع الآنية مع مواجهة جائحة كورونا الفيروسية العالمية؛ ليتخذوا منها ما أسموه بالدلائل والبراهين على أن إجراءات حظر التجول لها سلبيات كما يزعمون، أو على الأقل كما هي قناعاتهم. من ذلكم تأويلهم لحادثة خنق شاب مُعْتَل والدته بإحدى القرى، وقتل شاب آخر، قيل إنه مختل عقليًّا، أخاه إثر خلافات ونقاشات، أفضت لارتكاب الجريمتين! ومستوى خلافاتهم ونقاشاتهم وطريقتهم بالحوار شأن آخر؛ إنما الحديث الآن يرتكز على تأويلات متتبعي الحادثتين كمثال لحوادث وحالات غيرها تنتج من الحظر.
ويبرز سؤال مُلخَّصه: هل كانت هذه التفسيرات تلقائية تأملية بما يحدث أمامهم مما يعدُّونه مُستجِدًّا؟ أم هي تأويلات تلوي أعناق المفاهيم؛ لتُكيِّفها لخدمة تفسيرات مُختلقة خدمة لميولٍ وأهواء، ولإشباع توجهات بعض النفوس؟! فمن المتحدثين عن وجوب التوكل مع الإعراض عن اتخاذ الأسباب من يرون أن الحظر فاقم المشكلات الأسرية، وأوغر نفوس بعض الأزواج، وصعَّد من حدة نقاشاتهم حول أمور أسرية كادت تندثر (فأحيوها جذعة)؛ ليتبعها تصرفات تؤثر في أفراد الأسرة كافة، ولاسيما الأطفال، ويُنتظر منها زيادة حالات الطلاق!
أقول: إنه حري بهؤلاء أن يكونوا أقرب من غيرهم للاعتقاد واتباع السنة المطهرة (اعقلها وتوكل)، وأن لا يلتمسوا أي خبر وحادث للتعلق به للتبرير، وبث الشؤم والقلق والتوتر بين الجماعة والأفراد، وأن يدركوا أن ما يحدث بين الأسر الآن من أحداث معدودة وضئيلة نسبة إلى حجم ومساحة وسكان المملكة إنما هي أحداث معتادة؛ فكم سمعنا عن مختل يضرب أحد والديه أو يؤذيهما، أو مَن يقتل أخاه أو قريبه؟؟ فما يحدث قبل الجائحة يحدث أثناءها أو بعدها. وليكُن الأهم - بعد العمل على تحييد المضطربين نفسيًّا - الابتعاد عن التفسيرات وتضخيمها، وإرهاب المجتمع، وإشعاره بأن ما تتخذه الدولة - رعاها الله - من إجراءات مدروسة، تطبِّقها الدول المتقدمة، هي إجراءات مشوبة بالسلبيات، وتؤثر في ترابط المجتمع. فالإجراءات التي أقرتها القيادة وحكومتها الرشيدة لم تأتِ من فراغ، بل هي ثمرة تجارب وخبرات، ولم تُطبَّق إلا بعد التأكد من أنها الأصلح والأنفع للمجتمع. وهي - مع ذلك - خاضعة للتقويم المستمر لتدارُك ما قد يحصل من تقصير فردي نتيجة عدم تطبيق هذه القرارات والإجراءات. وهنا لا يجب إرجاع التقصير أو سلبيات التطبيق للقرارات بذاتها، كما يجب التريث خلال إصدار الأحكام لئلا يقع المتفيهق بغلواء حديثه، وينزلق باجتهاداته الخاطئة إلى الإرجاف والإخلال بذهنية المجتمع، وتحوير المقاصد الخيِّرة من كل قرار هدفه الصالح العام إلى مفاهيم تُعكِّر صفو حياة الناس، وتصرفهم عن اتخاذ الاحترازات المطلوبة للإحاطة بالمرض المحدق.
لا يمكن إقناع الناس بأن هذه التأويلات إنما هي اجتهادية، وهدفها نزيه يُقصد به الصالح العام؛ فالتوجُّه النقي السليم من النوايا كان لزامًا على صاحبه أن يركن إلى حُسن الظن بالله، والتوكل عليه سبحانه، ورفع رايات الطمأنينة والفأل الحسن بين العباد، وحثهم على التقيد بتوجيهات الدولة، وأن عليها المعتمد بعد الله، وأن يد الله مع الجماعة؛ فلا تفرِّقوها.