فضل بن سعد البوعينين
نجحت «أوبك +» في إقرار أكبر خفض في تاريخ إنتاج النفط بعد مباحثات ماراثونية امتدت لسبعة أسابيع مضنية، تداخلت فيها شؤون النفط بالسياسة والاقتصاد، وأزيلت من أمامها تحديات كبرى كادت أن تُعيد المجتمعين إلى المربع الأول لولا الإدارة السعودية الكفؤة للمباحثات.
برغم الجلسات المتتالية، والساعات الطويلة التي قضاها وزراء الطاقة في نقاشاتهم الشاقة، كانت هناك مباحثات موازية على المستوى السياسي لضمان الوصول إلى اتفاق يوقف تدهور الأسواق، ويهدد صناعة النفط العالمية. اتصالات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من جهة، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين من جهة أخرى لمعالجة المعوقات الطارئة التي يمكن أن تحول دون توقيع الاتفاق.
لعب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ مهندس الاتفاق؛ دورًا محوريًا في المباحثات العُليا مع الرئيسن ترمب وبوتين. وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان، نسب الفضل فيما وصلت له نتائج المفاوضات إلى الجهود والمساهمة والمتابعة والمشاركة من سموه؛ الذي قاد «كثيرًا من المفاوضات الرئيسة».
الرؤية الواضحة والأدوات المؤثرة والقدرة على الصبر وتحمل فترات طويلة من النقاشات، التي قد تبدو أنها استنساخ وإعادة طرح لما تم طرحه من قبل، من أدوات الإدارة الكفؤة التي تقود لتحقيق النتائج المتميزة، وربما غير المتوقعة أحيانًا. وأحسب أن إدارة سمو وزير الطاقة الكفؤة لاجتماع «أوبك +» الطارئ، برؤيته السياسية والاقتصادية والنفطية على وجه الخصوص، قادت نحو إقرار «أوبك +» خفض ما يقرب من 9.7 مليون برميل يوميًا بدءًا من مايو المقبل؛ إضافة إلى خفض متوقع لدول منتجة من خارج أوبك وبما يقرب من 9 ملايين برميل يوميًا؛ ما يعني أن الخفض الذي تم الاتفاق عليه بين «أوبك +» ودول أخرى يصل إلى 19 مليون برميل يوميًا.
لم تتوقف مكاسب الاتفاق على مخرجاته المعززة لعودة التوازن لأسواق النفط، ووقف انهيارها، بل تجاوزتها لتحقيق مكاسب سياسية وقانونية لمنظمة أوبك ودولها الرئيسة وفي مقدمها السعودية. أثبتت السعودية أنها محور الحل في شؤون النفط والطاقة بشكل عام، لا بسبب ثقلها السياسي والنفطي فحسب، بل وفي حكمة قيادتها وإدارتها المسؤولة عن شؤون الطاقة وبما يحقق مصلحة المنتجين والمستهلكين. كما أن هندستها الاتفاق التاريخي، وإنقاذها الصناعة النفطية من التدهور والتنسيق مع الولايات المتحدة وروسيا، يفترض أن يجعلها في منأى عن أية مواجهة قانونية لأسباب احتكارية مستقبلاً. وهو أمر سينعكس أيضًا على منظمة أوبك التي تُعاني من مواجهات قانونية في الكونجرس ومن شركات النفط الغربية. دخول ترامب كشريك في الاتفاق الأخير، ومطالبة أعضاء في الكونجرس السعودية وأوبك بتخفيض الإنتاج دعمًا للأسعار أعطى أوبك حصانة مستقبلية من أي تحركات قانونية ضدها. ومن الفوائد أيضًا الفترة الزمنية التي يغطيها الاتفاق وحتى 2022 وهو أمر سيجنب أوبك والدول المنتجة الكثير من التحديات المستقبلية.
اتفاق «أوبك +» التاريخي عزز من مكانة المنظمة، وجعلها أكثر قوة، وزاد من تأثيرها العالمي بدخول منتجين لدائرتها الضيقة، فقد كانت أوبك، ثم «أوبك +»، والدول المنتجة الأخرى، وهو بظني من أهم المكاسب على مستوى المنظمة وتأثيرها في الصناعة النفطية العالمية.