عبده الأسمري
لا حديث يعلو على حدث كورونا، ولا صدى يتردد أكثر من أنباء الحجر والعزل والوقاية والتعقيم وحظر التجوال والمستقبل والتوعية.. ولا اهتمام يتصدر شاشات التلفزة أشمل من التغطيات الميدانية، وتحويل غرف الأخبار وردهات التسجيل لمواقع مشتعلة لتقصي الأنباء عن هذا الفيروس الذي غيّر بوصلة الإعلام، وعدّل اتجاهات الاهتمام في كل أرجاء الدنيا.
ينصبّ التركيز على نقطة واحدة، تنطلق منها أضلاع الحياة اليومية باتجاهات الخوف والحذر والتوجس وسط غياب عن «قياس» المستقبل، وتغيُّب عن «توقعات» القادم.. فالشركات تتنافس على إنتاج لقاح يوقف زحف هذا البلاء، والحكومات تتكبد الخسائر في رأب صدوع مصاريف التداعيات، والقنوات تتبارى في الزج بمراسليها في ميادين الخطر ومواقع العزل بحثًا عن «السبق»، والبشر جميعًا «جمهور» يشاهد «الأوضاع»، ويستكين للإجراءات.. والتجار الذين كانوا بالأمس يوقِّعون العقود لبناء الناطحات وتشييد المقار منزوون مع أطفالهم في المنزل، والفارغون الذين كانوا يطاردون الفلاشات في المطاعم والحدائق بانت «سوءات» فكرهم الذي صنعته «السخرية»، وتلقفته عقول السفهاء أمثالهم.
الدول تتبادل الاتهامات بين القارات، وصندوق النقد الدولي بات «محرجًا» و»متخوفًا» من طلبات الاستدانة والاقتراض من دول كانت تتبجح بالأمس بأرقام فلكية لإنشاء مشاريع «تافهة».
اصطدمت الأُسر بحقائق بعض أرباب الأسر الذين كانوا «بلا مهام»، و»ضيوف شرف» في اجتماعات العائلة؛ فانكشفوا مع «حظر التجوال» لتبين حقائق ولايتهم وواقعية قيادتهم.
بنظرة استقصائية إلى الوضع العالمي والواقع البشري اليوم نجد أن الضعف يحيط بالبشرية، والانهزام يتربص بالمنهجية، وأن الفساد كان فعل الماضي، والتقاعس ظل فعل الأمر بين أوساط الحكومات، وأن إدارة الأزمات كانت «حبرًا» على ورق، ولم تكن سوى مجرد «شعارات»، انطلت حيلها على «منصات» المؤتمرات، وأن الاتفاقيات الدولية كانت تركز على التعاون العسكري والأمني والحربي والتجاري والاقتصادي، فيما تناست كثيرًا وتغافلت أكثر عن التعاضد ضد «الأوبئة المحتملة» في عالم تربطه المطارات، وتضبطه المصالح، وتُسقطه النوائب، وتُضعفه المصائب.
تربَّص كورونا بأوروبا التي كانت تتراقص على صيحات «العنصرية» ككبش فداء أول، ومد نفوذه المميت إلى أمريكا التي كانت تستعرض بحاملات «الطائرات» و»المدرعات» في المحيطات، وأسقط بضربته كل «الغرور» الآسيوي في اليابان والصين وكوريا في التباهي بالاختراعات والابتكارات، وشل أطراف «إيران»، وانتشر في «بؤر» تجمعاتها البشرية الطائفية المقيتة المخزية كاشفًا «الوهن» الدولي العام في مجابهة «بلاء»، جاء في هيئة «اختبار» قدرات أوليّ بسيط، سقط فيه «العالم» أجمع.
مع أزمة كورونا جاءت «الإنسانية» لتطغى.. وتماسك العالم في «تركيبة» معنوية دولية، أوقفت ويلات «الحروب» قليلاً. وأيقظت «الضمائر» الغائبة إلى حد ما.. رأينا قيادات الدول الكبرى وهم يتحدثون عن «الإنسان»، ويتألمون من مشاهد «الموت»، ويترنحون خلف مفاجآت «الإصابات»، ويحتارون أمام «مصاريف» الشعوب.. ويتحيرون حول «حلول» النجاة..
تواردت في ذهني أسئلة عدة، ولكن السؤال الأبرز ظل: «ماذا يلوح في الأفق»؟ الذي تفرعت منه استفسارات عدة، منها: هل سيأتي عالم من العلماء فيخترع ويبتكر لقاحًا لعلاج هذا الفيروس، ويظل حديث «الأرض»؟ وهل سنرى «عالمًا جديدًا» بلا ثراء ودون غنى؟ هل ستنخفض معدلات الرفاهية والبذخ؟ هل سيعيد الناس حساباتهم في طريقة العيش؟
وهل سنرى شركات كبرى ورجال أعمال مشهورين يعلنون الإفلاس؟ وهل ستنخفض معدلات الحروب والمجاعات والأمراض والأوبئة؟ هل سيكون هنالك حقوق فعلية للإنسان في دول الغرب؟ وهل ستتغير الشعارات المقيتة السائدة بأن العرب في تخلف والغرب في حضارة في وقت يفرض التحضر نفسه في منطق العناية بالإنسان وقيمته وكرامته؟
هل ستعيد الدول النظر في التعامل مع الفقراء والمحتاجين والمعوزين في داخل حدودها؟ وهل سنرى اهتمامًا دوليًّا بالصحة والوقاية من الأمراض والأوبئة المفاجئة؟ هل سنرى اجتماعات وقممًا عالمية ومنظمات دولية جديدة تختص بمكافحة الوباء؟
وعلى مستوى الإنسان في كل اتجاهات هذا الكون هل سنرى إنسانًا جديدًا مختلفًا متغيرًا؟.. وهل سنرى انطماس مشاهد ماضية في طرائق الحياة وأساليب التعامل؟.. وماذا سيستجد على منظومة التكيف مع الظروف والمعطيات في المحيط البشري؟
ثمة متغيرات سنراها بعد كورونا تتجه إلى حيث الاعتبار بالحدث، والاقتدار في التعايش مع تداعياته ونتائجه، والاستفادة من التجربة في صناعة آفاق جديدة للحياة.