رجاء العتيبي
لا أظن أحدًا سقط سقوطًا مدويًا في جائحة كورونا مثلما سقط المنجمون ومفسرو الأحلام، ولا أظنهم سيتعافون بعدها أبدًا، لأن الإنسان لا يغيره سوى الأحداث الكبرى، والمواقف الصعبة، لهذا نتوقع أن يتخذ الإنسان موقفًا شديدًا ضد كل من يتنبأ بقادم الأيام أو يفسر أضغاث الأحلام، لأنه ببساطة لم يخبره أحد عن جائحة كورونا التي طال أثرها الكرة الأرضية، لم يقل له أحد لا على مستوى التنجيم ولا على مستوى تفسير الأحلام: «انتبه أمامك جائحة» حتى ينعطف يمينًا أو يسارًا عنها، وجد الإنسان نفسه في خضم حدث عظيم، حدث عالمي، حدث غير مجرى حياته من دون أن يخبره أحد بذلك، حتى أمريكا بما تملك من قرون استشعار منتشرة في كل مكان لم تعلم بتفاصيل الحدث وطلبت غير مرة من الصين معلومات عن فيروس كورونا.
من جانبه انتبه لذلك أحد المدونين فأعد مادة مرئية رصد فيها تنبؤات بعض المنجمين عن عام 2020م، كما جرت العادة في بداية كل عام ميلادي جديد، كانت أحداث السنة الميلادية في وادٍ وأقوالهم في وادٍ آخر، في موقف يدعو للضحك ويكشف مقدار الوهم الذي يروجونه للناس وكأنهم يملكون مقاعد للسمع، ولكن كورونا الفيروس الذي لا تكاد تراه إلا بالمجهر أبطل ما يقولون، وسقط عليهم كشهاب رصدا.
أما مفسرو الأحلام الذين ملأوا القنوات الفضائية قبل سنوات مضت، فلم يشر أحد منهم لا من قريب ولا من بعيد، للجائحة، لم يفسر أي رؤى بأن جائحة ستعم الكرة الأرضية، وكان إذا ما تصدى للرؤية في زمن تكاثرهم قال: ستلدين مولودًا، أو ستكسب مالاً وفيرًا، أو ستجد وظيفة، أو شيئًا من ذلك أهم شيء أنه حدث سعيد حتى لو كان وهمًا، ليكون مطلوبًا أكثر، وتفتح له أبواب تجارية جانبية تخاطب العواطف والمشاعر ليس غير.
الناس اليوم (تتنبأ) بأن المنجمين ومفسري الأحلام وقارئي الفناجين لن يكون لهم وجود بعد زمن كورونا، ليس لأن الناس المعزولين صحيًا في بيوتهم والممنوعين من التجول يستخدمون أدوات (المتألين) على الله أبدأ، إنه (العقل) الذي بدأ يتفتق عن (وعي) لا حدود له، عرفوا أن العلم (طب، صحة، مختبرات، اقتصاد، تعاون دولي...) هو القادر - بعد مشيئة الله - على التصدي لكورونا وأن فن إدارة الأزمات هي التي يتحتم على كل فرد تعلمه وإجادته، وأن التعاون بين الحكومات وشعوبها هو السبيل لحياة كريمة.
الجميل أن هذا الوعي الشامل الواسع الكاسح نجده لدى الطبقات (البسيطة) التي عادة ما تمثل سوقًا رائجة لدى مدعين معرفة الأحداث قبل وقوعها، ولا نعلم كيف غاب عن وعي البعض قوله تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أرض تَمُوتُ}، قدر نعذر الجاهل بعدم استيعابه لمعنى هذه الآية لأنه في حكم الجاهل بها، أما الذي ينازع هذه الآية حقها ولا يبالي ويطوع الأدلة لصالحه تحت أي مبرر، فالله أعلم بمصيره في الحياة الدنيا وفي الآخرة.