د.سالم الكتبي
منذ بداية أزمة انتشار فيروس «كورونا» في إيران، وهناك حرص من نظام الملالي على إخفاء الحقائق واتباع نهج التعتيم وتهديد كل من يحاول كشف الحقائق لأن انتشار الفيروس قد تزامن مع انتخابات مجلس الشورى الإيراني التي أجريت في نهاية فبراير الماضي، حيث كان التخوف الأساسي من أن يتسبب الإعلان الرسمي عن تفشي «كورونا» في انهيار معدلات التصويت في انتخابات تمثل «الصورة» الحقيقة الأهم فيها لدى الملالي، لذلك غامر النظام بصحة شعبه رغم كل التحذيرات من ازدياد فرص انتقال العدوى في مناطق التجمعات والزحام وغير ذلك.
استمرت سياسة الإنكار التي اتبعها النظام الإيراني حتى تمكن الفيروس من العديد من القادة وكبار المسؤولين، ورغم أن إيران تحتل المرتبة الثالثة عالمياً - بعد الصين وإيطاليا - في نسب تفشي الفيروس، فإنها لا تزال تمشي بسرعة السلحفاة في تبني الإجراءات الصارمة التي تدعو لها منظمة الصحة العالمية.
الخطورة في ممارسات الملالي أن الفيروس سريع الانتشار وينتقل من منطقة لأخرى بسرعة لافتة، وقد تسبب الصمت الإيراني في نقل العدوى إلى دول أخرى عدة مجاورة.
مؤخراً نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية تقريراً صادماً حول وجود صور التقطتها أقمار صناعية تظهر أن إيران تحفر قبور جماعية لدفن ضحايا «كورونا»، وأن الحكومة الإيرانية تتستر على الأعداد الحقيقية المفزعة للإصابات والوفيات. ويقول جوليان بورجير محرر التقرير إن «القبور الجماعية في مدينة قُم التي تظهرها صور الأقمار الصناعية، تشي بأن الوضع بشأن تفشي وباء كورونا في إيران أخطر بكثير مما تعترف به الحكومة»، ويشير إلى أنه في الوقت الذي كانت تتحدث فيه السلطات الإيرانية عن وفاة 12 شخصاً فقط بسبب الفيروس، كشفت الصور عن خندقين كبيرين محفورين في مقبرة شمالي مدينة قم طول كل منهما نحو 90 متراً.
صور الأقمار الصناعية للمقابر الجماعية التي نشرتها في البداية صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، لا تشير فقط إلى تفشي الفيروس في إيران، وإنما تؤكد أن الإصابات كانت موجودة قبل الاعتراف الرسمي بفترة ليست قليلة لأن صور المقابر الجماعية في «قم» قد التقطت بعد يومين فقط من إعلان إيران رسمياً عن أول إصابتين بالفيروس يوم 19 فبراير الماضي؛ وأن أعمال الحفر في المقبرتين قد بدأت يوم إجراء الانتخابات الإيرانية، ما يعني أن الأعداد المتزايدة للضحايا قد أجبرت الملالي على بناء قبور جماعية رغم أنهم - في ذلك الوقت - كانوا يصرون على الإنكار ويحاولون توظيف الأمر سياسياً باتهام الولايات المتحدة باستهداف «أعدائها» بحرب بيولوجية من خلال نشر الفيروسات!
الشكوك والاتهامات الموجهة للملالي لا تقتصر على الإعلام الغربي، فهناك أعضاء في مجلس الشورى الإيراني تحدثوا عن «المقابر الجماعية» وتساءلوا في مجلس الشورى الإيراني عن الأعداد الحقيقية للضحايا، وأكد بعضهم أن الفيروس كان متفشياً قبل الإعلان عن أول إصابتين في البلاد، واتهموا الحكومة بالتقصير والتعتيم على الحقائق.
المؤكد أن نظام الملالي ليس من هواة الشفافية والمصارحة وينظر للأمور بمنظار مصالحي ذاتي ضيق لا علاقة له لا بمصالح الشعب الإيراني ولا بالتزامات الدولة الإيرانية بالضوابط والمعايير الواردة في البروتوكولات الصحية الدولية المعتمدة في مثل هذه الحالات، والأمر في ذلك لا يقتصر على فيروس «كورونا» بل يطال مجمل سياسات النظام التي تخضع لرؤية رأس النظام فقط، المرشد الأعلى علي خامنئي وربما نفر قليل من دائرة المقربين الضيقة، ويعتمد في ذلك على صعوبة اكتشاف الحقائق في ظل القبضة الحديدية وسياسة «الحديد والنار» التي يدير بها الأمور، ولكن «الدليل الفضائي» الذي تناولته التقارير الغربية قد فضح بعض ممارسات هذا النظام، وأظهر بعض الجرائم التي يرتكبها في حق شعبه.
يقول وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في مناشدته للعالم كي يساعد بلاده في مواجهة تفشي الوباء إن الفيروس لا يفرق بين إنسان وآخر وعلى العالم ألا يفرق أيضاً، وهذه الرسالة يجب أن يستوعبها نظام الملالي نفسه قبل أن يخاطب بها العالم، فالنظام الذي نشر الفوضى والاضطرابات في منطقتنا بسبب طموحات طائفية وأحلام توسعية عليه أن يدرك عواقب التمادي في هذا النهج العبثي المدمر الذي يدفع فاتورته الشعب الإيراني في المقام الأول، وأن يدرك أن فيروس الميلشيات الإرهابية التي يدعمها ويمولها الملالي يفوق في خطورته «كورونا» وكل الفيروسات التي تهدد صحة البشرية.