د.عبدالله بن موسى الطاير
خمس سنوات على الحرب التي شنَّتها دول التحالف لإعادة الحكومة الشرعية لصنعاء بعد انقلاب المليشيات الحوثية المدعومة من إيران، كنا نتوقّع حينها أنه مع بدء الغارات الجوية ستزحف الفعاليات اليمنية نحو صنعاء لمساندة الشرعية والتحالف، ومر أسبوع والثاني وشهر والثالث، وعام والخامس ولم يزحف أحد. اقتضت الخطة البديلة بناء جيش يأتمر بأمر الشرعية، وصاحب ذلك نجاحات وإخفاقات، ومن أخطر الإخفاقات التجنيد الوهمي الذي أدى إلى حشو مسيرات الرواتب بأسماء غير موجودة في الواقع، لكن الإيجابيات كانت أكثر بوجود جيش يمني شرعي يقف في وجه الحوثيين ويحقق انتصارات.
لا أريد الخوض في دوافع بعض دول مجلس الأمن دائمة العضوية التي أصدرت القرار 2216 ثم انقلبت عليه. وليس هذا وقت تعداد إخفاقات التحالف، لأن إيجابياته ضربت في الصميم خطط ولاية الفقيه في التوسع الجغرافي، وأكدت أن السعودية لن تقبل بوكالة إيرانية على حدودها الجنوبية.
السعي لتأكيد جاهزية الجيش اليمني التابع للشرعية صاحبه هواجس عدم تسليحه بما يتناسب والتحديات الحوثية. توقع البعض أن كفاءة التسليح هي العلة الوحيدة في عدم إحراز تقدم في بعض الجبهات. المنطق العسكري يدفع بخلاف ذلك، فالتحالف موجود دائماً لمساندة القوات البرية عبر سلاح الجو المتقدِّم جداً، وأي تسليح نوعي لجيش يمني لم يكتمل بناؤه ولما تتشكل عقيدته العسكرية على نحو آمن سيعد خطأ إستراتيجياً لم يكن للتحالف أن يرتكبه، وخصوصاً أن تلك الأسلحة يمكن أن تقع في أية لحظة بيد الحوثيين أو الجماعات الإرهابية الأخرى.
بعد مرور خمس سنوات تغيّر الكثير على الساحة اليمنية، فالمجتمع الدولي بات أكثر فتوراً في قبول الحلول العسكرية. وعلى الرغم من التفاوض المبكر مع الانقلابيين في الكويت ومسقط وجنيف وستوكهولم، فقد باءت المحاولات بالفشل لأن الحوثي كان يتصرَّف على أنه حكومة الأمر الواقع. لتأتي كورونا فتعلي الصوت المنادي بإنهاء الحرب لأسباب إنسانية، ويطرح بالتوازي مبادرة تؤسس لحوار سياسي ينشئ وضعاً يقبله اليمنيون جميعهم. يمكنني مقدماً أن أكتب نهاية فاشلة لذلك الحوار لأن اليمن أصبح أكثر من يمن، ولذلك فإن أي نجاح نسبي للحوار السياسي يستلزم تحقيق رغبات فرقاء بعضها متعارض تماماً.
منذ بداية عاصفة الحزم والمتدخلون في التحليل والتعليق على مجريات الأحداث يجمعون على عدم قبول خاتمة للحرب تأتي بمليشيات عميلة لإيران على الحدود السعودية الجنوبية. كما أن وجود حوثي سياسي مسلح ضمن المكونات اليمنية مرفوض أيضاً لتجنيب اليمن «حزب الله» جديد كما هو الحال في لبنان.
اليوم يقف الجميع أمام خيارات معقدة، فجائحة كورونا تفرض وقفا لإطلاق النار لأسباب إنسانية، وقد أعلن التحالف ذلك اعتبار من الخميس 9 أبريل 2020 ولمدة أسبوعين. ويبدو أنها حتى الآن هدنة من طرف واحد. ولكن مساعي المبعوث الدولي جرفيثس تتحدث عن مبادرة متوازنة حملها للأطراف اليمنية المتنازعة. أكاد أخمن أن مشروع الاتفاقية لا يحقق مقتضيات القرار 2216، ولا يغفل طبيعة السيطرة على الأرض سواء في شمال اليمن أو جنوبه. ولذلك فإن جميع الخيارات مفتوحة أمام المفاوضين إذا قرَّر اليمنيون الجلوس على طاولة المباحثات.
سياق الأحداث وتطوراتها على مدى السنوات الخمس الماضية، ونسق الداخل اليمني المعقد يلمحان بموت المرجعيات الدولية التي كانت تحكم طاولة المفاوضات، وبقدر ما سيتحرّر الحوثيون من وجود اشتراطات لم تكن قابلة للتفاوض فإنهم سيواجهون بمطالب جديدة عليهم تلبيتها إذا ما كانوا جادين في السلام، ومن ذلك الدخول السياسي في منظومة الدولة. وجود الحوثيين في الحكم سيفرض عليهم التزامات المؤسسة، وسيكون عليهم (نظرياً) الاختيار بين الدولة أو المليشيا. العقلية الانتهازية التي يفكر بها الحوثيون تسوّل لهم القبول بالمشاركة في الدولة وتحمّل مسؤولياتها والتزاماتها ما داموا في الحكم، فإذا خرجوا منه عادوا إلى قواعدهم المليشاوية المسلحة كما هو الحال في العراق ولبنان. مفاوضو الحكومة الشرعية والتحالف يدركون هذه التعقيدات، لكن الوضع الإنساني الذي ينزلق إليه اليمن يشكل عبئاً ثقيلاً على عاتق التحالف والحكومة الشرعية فيما لا يعني الكثير لمليشيات تتصرّف وفقاً لما يريده الحرس الثوري الإيراني. الخروج من المأزق اليمني يتطلب حداً أدنى يطمئن إليه الجوار اليمني؛ وهو دولة مركزية قوية بجيش محترف قادر على تطويع الحوثي عندما يأبق.