من رؤيتي الاجتماعية وقراءاتي في علم الاجتماع بحسب التخصص فإن السنن الربانية التي تحكم الحياة البشرية سواء سنن التمكين أو التدمير سيكون لها أثر بعد عين.
فعادة السنن الربانية طويلة المدى وتتحقق رغم قصر عمر الإنسان لكن التاريخ يفيدنا بالعبر والتدبر فالسنن ثابتة ومستمرة.
ففي ما يتصل بالعقيدة فإنه لا قيد على مشيئة الله وهو فعَّال لما يريد، وأما ما يتصل بوضع الإنسان بالحياة والتي تناولته حتمية ماركس التاريخية وحتمية فرويد النفسية وحتمية دوركايم الاجتماعية فكلها حتميات غير صحيحة وزائفة وتلغي حقيقة إنسانية الإنسان.
قال الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}.
إن أهمية التركيز على هذه السنن في واقعنا الحالي هو ضرورة لتصحيح المفاهيم التي أفسدتها الانحرافات في الأمة الإسلامية ولعلاجها نحتاج لعزيمة مع توكل {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}، وما هذا الابتلاء بوباء مثل كارونا إلا سنة من سنن الله قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}، لكن بإذن الله هذا سيكون تمهيداً للتمكين بعد التمحيص قال تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}، وهنا أعتقد وأجزم أن الحياة الاجتماعية في المجتمعات البشرية ومجتمعنا العربي ستتبدل بعد زوال وباء كارونا لتكون على النحو التالي:
زوال قناعات المفتتنين بمظاهر الحياة الغربية والعودة للقيم والمبادئ الإسلامية.
عودة المشككين بسنن الله الكونية والإيمان بأن الله هو الحاكم والمدبر للكون وللبشرية؛ فالجميع تحت رحمته.
انحسار الفكر الليبرالي والعلماني خاصة أذناب الغرب من الشعوب العربية.
قناعة العامة أن الساسة من دول الغرب أو الشرق يتاجرون بالبشرية عبر معاملهم البيولوجية واستنساخ الجينات والأمراض الميكروبية.
تقبل المجتمعات العربية للأوامر الرسمية ومنها حظر التجول دون الحاجة لاستخدام القطاعات الأمنية والعسكرية وهذا شيء مميز.
قناعة المجتمعات الغربية بالعادات والقيم الإسلامية التي جاء بها القرآن والسنة النبوية ومنها قيم النظافة والوضوء.
زيادة نسب المواليد في العام القادم نتيجة الصفاء الذهني والبعد عن مشاغل الحياة.
مراجعة الشعوب العربية لأوضاعها الأسرية وإعادة برمجة الحياة حسب الفطرة فالليل سبات والنهار معاش.
انحسار مستوى الجريمة نتيجة ترتيب الحياة الأسرية في المجتمعات.
حدوث هزة اقتصادية دولية عامة من الصعب تلافيها بشكل عاجل وستؤثّر على الدول الكبرى أكثر من غيرها.
ارتباط الشعوب بخالقها والبحث عن الحقيقة المغيبة وهذه فرصة كل مسلم في الدعوة إلى الله.
سيعلم كل مسلم أن كارونا له ما يماثله أو أشد منه وأن هذا نذير فالعودة للمعاصي ستكون عاقبتها وخيمة.
علمت المجتمعات أن كل أنشطة الترفيه والرياضة والسياحة وملذات الدنيا وقتية وزائلة ولا وجود لها عند الأزمات.
وعلم الناس أن العلماء والفقهاء والدعاة ورجال الأمن والأطباء هم أبطال هذه المواقف.
هذه الأحداث ستعطي قوة غير مسبوقة بقوة العلاقة بين الحاكم والمحكوم خاصة بدول الخليج وبالأخص المملكة العربية السعودية التي تصدرت العالم بالتعاطي الأمثل لخدمة مواطنيها بمكافحة هذا الوباء وبذل كل الجهود لسلامتهم.
مقابل ذلك فقدان الثقة لدى الطوائف الشيعية بمرجعياتهم نتيجة تخليهم عن شعوبهم في هذه الأزمة بعدما كانوا يحلبون الخمس منهم سنوياً.
ستعود كثير من القطاعات الخدمية للدولة كالصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية نظراً لفشل المؤسسات الأهلية التجارية بتقديم الرعاية لمواطنيها خلال هذه الأزمة في أوربا والولايات المتحدة ونجاحها في الصين والسعودية.
وختاماً حتماً ستخرج لنا العديد من البحوث والدراسات الاجتماعية بعد تجاوز هذه الأزمة ورصد تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية لكن تبقى سنن الله ثابتة ومستمرة إلى قيام الساعة، والله ولي التوفيق.
** **
- قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة القصيم