مع انتشار فيروس كورونا بشكل مطرد في جل دول العالم، رفعت منظمة الصحة العالمية مرتبة تفشي فيروس كورونا «كوفيد - 19» من درجة وباء إلى درجة جائحة؛ متوقعة بذلك أن يجتاح هذا الفيروس عدداً أكبر من المجتمعات والناس حول العالم. ومع الآثار الصحية والاقتصادية التي سببها كورونا خلال الأسابيع القليلة الماضية والتي قد يسببها مستقبلًا في ظل عدم اكتشاف لقاح له حتى الآن، تكاتفت الجهود الوطنية والدولية للتصدي لهذا الكائن المستجد بشكل غير مسبوق مما دعاني لاستذكار المثل الشعبي الأصيل «قوم تعاونوا ما ذّلوا».
ففي بلاد الحرمين، كانت المملكة العربية السعودية سبَّاقة وحازمة بتطبيق جميع الإجراءات الاحترازية والوقائية لحماية المواطنين والمقيمين من تفشي فيروس كورونا قبل أن يتم الإعلان عنه وباءً عالمياً من قِبل منظمة الصحة العالمية؛ وهذا بدوره (بعد توفيق الله) حد من انتشار الفيروس مقارنة بالأرقام المرعبة لانتشار الفيروس في كثير من دول العالم المتقدِّم. وهذا ليس بمستغرب على حكمة قيادتنا الرشيدة في اتخاذ القرارات السريعة والصارمة والخبرة الكبيرة التي تمتلكها المملكة في إدارة الأزمات والمخاطر، حيث تم - منذ الساعات الأولى للأزمة وقبل الإعلان عن وجود أي إصابة بفيروس كورونا داخل المملكة - تشكيل لجنة من 18 جهة حكومية يرأسها وزير الصحة لمتابعة الوضع الصحي لفيروسكورونا وكيفية التصدي له.
ومع هذا التعاون والتكامل بين الجهات الحكومية، فلا عجب اليوم أن تسير الحياة اليومية في المملكة بشكل سلس ومرن وذلك بإتاحة خيارات تعليمية تتيحها وزارة التعليم لضمان استمرار العملية التعليمية عن بعد لأبنائنا الطلاب دون توقف، وإطلاق برامج آلية من قبل وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات لتطبيق إجراءات العمل عن بعد للجهات الحكومية والأفراد لضمان استمرار وتيرة العمل دون انقطاع، وتقوم وزارة الخارجية بإجلاء المواطنين السعوديين من الدول الموبوءة لضمان سلامتهم، ودراسات بحثية لتتبع انتشار الفيروس داخل المملكة من قبل المركز الوطني للوقاية من الأمراض ومكافحتها، ووقوف وزارة التجارة على المحلات التجارية للتأكد من توفر السلع التموينية والمواد الاستهلاكية بعد الحرص على النظافة والتعقيم من قبل البلديات. بالإضافة إلى حزمة إجراءات احترازية ووقائية اتخذتها المملكة تعنى بسلامة المواطن والمقيم أولاً Safety First .
وفي إطار تعاون المواطنين مع التعليمات الصادرة من الجهات الحكومية، ضرب المواطن السعودي أروع الأمثلة في تحمّله للمسؤولية وتجنب التجمعات، حيث أشارت بيانات إحصائية نشرتها شركة TomTom المهتمة بأبحاث الملاحة والخرائط الافتراضية Navigation، إلى التزام سكان السعودية بالحجر المنزلي وذلك بناءً على الانخفاض الكبير في الحركة المرورية في مدن وطرق المملكة؛ حيث احتلت مدينة جدة الأولى عالميًا والرياض الثالثة عالمياً بعد مدينة ووهان الصينية التي هي أصلاً مصدر تفشي الفيروس في العالم. وكما أن هذا البحث اقتصر فقط على المدن الرئيسية والكبيرة حول العالم، إلا أني متيقن تماماً بأن جميع المدن السعودية تتصدر الترتيب عالميًا من حيث التزام السكان بالتباعد الاجتماعي. هذا التناغم السعودي حكومةً وشعباً أصبح اليوم محط أنظار العالم في الحد من انتشار المرض واحتوائه، حيث أظهرت نتائج مؤشر الأمن الصحي العالمي GHS أن المملكة هي الأولى عربياً في قدرتها وجاهزيتها على مواجهة الأوبئة من حيث الاكتشاف المبكر، الاستجابة، العزل الطبي، النظام الصحي، المخاطر، والامتثال للمعايير الدولية.
أما على صعيد التعاون الدولي، فقد وجّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بتقديم دعم مالي قدره 10 ملايين دولار أميركي لمنظمة الصحة العالمية لمكافحة فيروس كورونا «COVID-19». هذا التوجيه الكريم يأتي امتدادًا للمواقف الإنسانية التي تقدمها المملكة بتسخير كافة إمكاناتها ومواردها في خدمة القضايا الإنسانية والتعاون الكامل مع المجتمعات الدولية خلال الأزمات لتحقيق كل ما فيه خير للبشرية. ومع ترؤس السعودية لمجموعة العشرين G20 لهذا العام، فقد دعت المملكة لعقد قمة استثنائية - افتراضية - لتوحيد الجهود الدولية في مكافحة فيروس كورونا، كما أكد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على عزم المملكة تنسيق التعاون الدولي لمكافحة هذا الوباء المتفشي وما يترتب عليه من آثار إنسانية واقتصادية واجتماعية.
الآن ونحن في خضم أزمة كورونا والغموض الذي ينتاب العالم صحياً واقتصادياً واجتماعيًا في ظل توقع العلماء والخبراء بأن الوصول إلى لقاح كورونا سيستغرق عامًا أو ربما أكثر، يبدو أن العالم بأجمعه سيعيش في عالم مختلف عن العالم الذي عرفه من قبل، وذلك لأننا «لا نعرف الكثير عن كورونا ولا يمكننا التنبؤ بموعد احتوائه» كما قال المتحدث الرسمي لمنظمة الصحة العالمية. من هذا المنطلق، وجب علينا جميعاً كمواطنين ومقيمين أن نكون على مستوى كبير جداً من الوعي واستشعار المسؤولية واتباع كامل التعليمات والتوجيهات التي تصدر من الجهات الرسمية والتصدي للشائعات المغرضة، وكلنا ثقة في قدرة المملكة على تجاوز هذه المحنة حتى نخرج منها أشد قوة وتلاحماً، ليسطّر بذلك الجميع قصة نجاح عنوانها (قوم تعاونوا ما ذّلوا) نستذكرها مستقبلاً ونرويها للأجيال المقبلة - بإذن الله.