د. محمد عبدالله الخازم
يسأل البعض عن جدوى البحث العلمي في هذه الظروف بالذات في ما له علاقة بجائحة فيروس كورونا، سواء فيما يتعلَّق بالدراسات المسحية الإحصائية التي لا تحتاج اختراعات بقدر ما تحتاج معلومات وأسس لتحليلها وحتى إنتاج لقاحات للفيروس من المعامل البحثية السعودية. بغض النظر عن الأعذار ومنها ضعف الإمكانات، لا بد أن نبدأ. السبب في ذلك هو أن موضوع اللقاح قد يتحول إلى قضية أمنية صحية كبرى، فلا أحد يتوقّع بأن هناك دولة ستطور لقاحاً فتتبرع به أو تبيعه للآخرين قبل مواطنيها وأصدقائها الأقرب، وحتى إن باعته للآخرين فسيكون باهظ الثمن. لقد رأينا كيف حاولت الولايات المتحدة إغراء شركة ألمانية لتصنيع الدواء في هذا الموضوع وتحول الأمر إلى قضية سياسية وطنية بالنسبة لألمانيا. كما نلاحظ كذلك الاتهامات المتبادلة بين الدول حول أساسيات مثل الكمامات أو أجهزة التنفس، وكيف وصل سعر جهاز التنفّس إلى ما يقارب مائة ألف ريال رغم أن كلفة تصنيعه أقل من ذلك بكثير. رأينا كيف بسرعة مذهلة يتم تصنيع أجهزة تنفس في دول متقدِّمة وكذلك دول صغيرة وبعضها يتم تطويره لأول مرة لأن الأساسيات منتشرة. هناك جانب اقتصادي بالتأكيد، لكن الأمر أكبر من ذلك؛ الأمر يتعلَّّق بالأمن الوطني أو ما يعبِّر عنه البعض بالأمن الصحي.
أحد الخيارات الموازية المطلوبة تتمثَّل في الإسراع بتطوير شراكات عالمية في هذا الشأن، فمراكز البحوث والشركات البحثية والدوائية ينقصها أحياناً الدعم وتحتاج شركاء أقوياء، ودعمها سواء بدعم بحوث محدَّدة أو بالمشاركة في رؤوس أموالها سيكون ذراعاً داعماً للمملكة في احتياجاتها الدوائية المتقدِّمة. ربما لم تكن مثل تلك الشركات أو الشركات ضمن أولويات الاستثمار، لأسباب تتعلَّق بالمخاطرة أو ضعف العائد، لكن في هذه الأزمة العالمية تغيَّرت الموازين وبرزت أولويات حديثة أهمها صناعة الدواء واللقاحات والتجهيزات الطبية.
هناك جانب تنفيذي كذلك في الموضوع. الجامعات السعودية ومراكز البحث كمدينة الملك عبدالعزيز للبحوث أعلنت عن مبادرات بحثية في هذا الشأن، لكنها متناثرة وبعضها تسير وكأنها مناقصات حكومية بيروقراطية، تنتظر تقديم المشاريع ثم مراجعتها ثم اختيار الأنسب ثم الترسية ونكون قضينا أشهراً طويلة قبل أن نجري تجربة واحدة متميزة. هذا لا يتناسب مع الظروف الطارئة. لاحظنا تسابق الدول في دعم مؤسساتها البحثية العملاقة بمئات الملايين أو المليارات من الدولارات لغرض الأبحاث المتعلّقة بعلاجات ولقاحات فيروس كورونا ودعم تسريع إجراءات البحث بشكل كبير. لا وقت هنا، لفكر المناقصات الحكومية الذي يسيطر على إدارات جامعاتنا. المطلوب اختيار مركزين أو ثلاثة بحثية كبرى ومنحها ميزانيات تساعدها على البدء فوراً في الأبحاث ولها استقطاب من تحتاجه من خارجها.
للأسف نفتقد قيادة للبحث العلمي؛ عشرات من كليات الصيدلة والطب والعلوم يُضاف لها شركات الدواء وهيئة الدواء ومراكز البحوث ومدينة الملك عبدالعزيز البحثية، ولم يتم تكوين لجنة عاجلة أو غرفة طوارئ لوضع إطار إستراتيجي للبحوث المتعلِّقة بفيروس كورونا، يسهم في سرعة البدء وتحديد الأولويات العلمية والبحثية والتقنية في هذا المجال. نحتاج آليات تتفاعل بما يتناسب وسرعة وظروف الحدث.