مها محمد الشريف
من البديهي أن هناك علاقة طردية بين معدل الإصابة بمرض ما ونسبة انتشاره، فظهرت اليوم المقدمات والنهايات في آن واحد وذلك من خلال انتشار وباء كورونا وعدد المصابين والوفيات، فأصبح الخبر والنتائج متزامنة ومتوافقة وعلى ذات الوتيرة كل يوم، حققت الظروف الراهنة زخماً قوياً مما دفع إلى البحث عن أسباب هذا الانتشار السريع في جميع أنحاء العالم، ويشمل دراسة المحددات المؤثِّرة على تلك الحالات، وتطبيق المعرفة حول الأبحاث والدراسات لاختراع لقاح للفيروس بعد إجراء تجارب عديدة.
ربما نكون على مشارف تغيير في بنية العالم، وشكل من أشكال الاحترام الأخلاقي الذي يعتبر ميزة تتمثَّل في تمكين المرء من فهم الطبيعة البشرية ونوع التفاعلات التي تجري من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصال بين الحكومات وتبادل المعلومات بعد انتشار جائحة كورونا، في إطار علم الأوبئة والقيام بوظائف تشخيصية لصحة المجتمعات، وقد يصل الأمر إلى حدوث تغييرات جوهرية تواكب التطورات التي تحدث في المعرفة البيولوجية والطبية.
من منظور الدور المحوري الذي تلعبه الحاجة الماسة لتكاتف العالم، وتغير السلوك الاجتماعي في خضم هذه الأزمة تبرع العديد من المؤسسات والشركات والبنوك والأفراد، وفي قائمة المتبرعين مؤسس تويتر، جاك دورسي، بمليار دولار لمكافحة جائحة كورونا، وقدَّم كذلك مؤسِّس شركة مايكروسوفت السابق، بيل جيتس، حيث تبرعت مؤسسته هو وزوجته بـ100 مليون دولار للمساعدة في اكتشاف الفيروس وتوفير الحجر الصحي والأبحاث التي تعمل لإيجاد لقاح للوقاية من المرض، وفي الصين، قدّم جاك ما، صاحب شركة «علي بابا»، أهم موقع صيني للتجارة الإلكترونية، نحو 500 ألف من مُعَدّات فحص فيروس كورونا، ومليون كمامة للولايات المتحدة، بالإضافة إلى 5.8 مليون دولار لمعامل الأبحاث، وحث على التعاون الدولي للتصدي للمرض. وجهات أخرى ساهمت في إيجاد تسهيلات، حيث قالت شركة «أمازون» إن تفشى فيروس كورونا تسبب في زيادة كبيرة في عمليات التسوق عبر الإنترنت، ما أثر على إمكانية الشركة العملاقة لمواكبة الطلب، ودفعها إلى إضافة 100 ألف وظيفة جديدة بدوام كامل وجزئي في الولايات المتحدة الأمريكية، ورفع الرواتب، وأطلقت الشركة صندوق إغاثة بقيمة 25 مليون دولار، وكذلك في مجال الرياضة، تبرع كل من كريستيانو رونالدو وميسي وغوارديولا بمليون يورو لمحاربة كورونا، وكذلك بعض الأندية الأوروبية تحت شعار «معزولون، لكننا متحدون».
وكما هو الحال في مملكة الإنسانية والعطاء شهدت أيضاً مشاركة فاعلة من بنوك السعودية بـ160 مليون ريال لصندوق صحي لمكافحة كورونا، وأرامكو السعودية لدعم الصندوق والجهود الوطنية بمبلغ 200 مليون ريال، ومجموعة من الشركات والمؤسسات والأفراد، فالعطاء ثمرة التصرفات ولذا فإنه يبتكر محيطاً اجتماعياً في تفاعله أكثر وحدة.
لقد وحَّد هذا العدو الجهود والأفكار لمواجهته وأثبت أن الطبيعة البشرية تكاتفت ويمكن أن تلتقي على الخير لا يفرقها جنس أو عرق أو لغة، فالمعدلات العامة للإصابة بالمرض أو الوفاة تشير إلى مجتمع سكاني بأكمله في ذات المصير، لاسيما أن الخطر الصحي جمع البشر. بينما المصالح السياسية والاقتصادية تفرّقهم.