د. محمد بن يحيى الفال
شاء الله أن تتولى المملكة العربية السعودية رئاسة قمة مجموعة العشرين والعالم بأسره يواجه جائحة وبائية غير مسبوقة؛ والمتمثلة في فيروس كورونا. شاء الله -كذلك- أن تثبت للعالم أن المملكة وقيادتها خير من تولى قيادة دفة التعامل مع هذه الأزمة غير المسبوقة سواءً على المستوى المحلي أو الدولي. محلياً، جاء خطاب خادم الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود لشعبه ولكافة المقيمين على أرض المملكة كوثيقة تاريخية تبيِّن كيفية تعامل قادة الدول مع شعوبهم في أوقات الأزمات والأوقات الصعبة، فقد جاء خطاب الملك واضحاً جلياً مُقتضباً بيد أنه شمل كافة الجوانب التي يحتاج أن يعرفها المواطن والمقيم عن الإجراءات المتبعة التي خططت لها الدولة لمواجهة الجائحة غير المسبوقة في تاريخ البشرية في الألفية الثالثة. جاء الخطاب شفافاً وضح خطورة الوضع وبأهمية تعاون الجميع لتجاوز آثار الجائحة على المجتمع، وكما كان الخطاب صريحاً، فكذلك ومما أثلج الصدور وتمت مشاهدة تفاصيله العملية لاحقاً على أرض الواقع، هو أن خادم الحرمين الشريفين أكد في خطابه أن الإنسان وسلامته ومعيشته وليس أي اعتبار آخر سيكون على رأس الاهتمامات في كافة الإجراءات المتخذة لمواجهة الجائحة. رأينا ورأى العالم معنا كيف قامت المملكة بإجراءاتها المميزة لمواجهة الجائحة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وشملت الإجراءات كل ما يتعلَّق بالمواطن والمقيم والذي كان من غيض فيضه الاستمرار في دفع أجور موظفي الدولة كاملة وفي موعدها واعتبار فترة مواجهة الجائحة إجازة مدفوعة الأجر بالكامل وتكفلت الدولة بدفع نسبة 60 % من رواتب السعوديين في القطاع الخاص والذين تجاوز عددهم مليون موظف وموظفة، ولتحفيز الحد من تباطؤ نمو القطاع الخاص والذي تفاقم مع الجائحة فقد تم إعفاء الشركات والمؤسسات الخاصة من تحصيل رسوم العمالة والتأمين الطبي ورسوم تجديد إقامات العمال وغيرها من الرسوم المتعلِّقة باستمرارية عمل القطاع الخاص بمرونة وكفاءة، وبكون الجائحة متعلِّقة بالصحة فقد صدرت توجيهات المقام السامي بأن الدولة تتحمَّل كافة مصاريف علاج المصابين بفيروس كورونا بمن فيهم المخالفون لنظام الإقامة؛ وذلك في إشارة واضحة بأن المملكة وقيادتها تضع الجانب الإنساني فوق كافة الاعتبارات الأخرى. لم تكتف قادة المملكة بإجراءاتها لتخفيف معاناة مَن هم في داخل الوطن من مواطنيه ومقيميه فقد شملت توجيهات القيادة كذلك رعاية المواطنين في الخارج والذين تفرَّقت بهم السبل وتعذَّر رجوعهم للوطن بسبب توقف رحلات الطيران وتم توجيه كافة سفارات وممثليات المملكة في الخارج بتقديم كل ما يحتاجه المواطن ومجاناً من رعاية شملت تأمين السكن المميز والعناية الطبية ومعيشة ومصاريف نقدية مع وضع أسطول جوي مجهَّز بكافة التجهيزات لإعادتهم لأرض الوطن حال أن تسمح الظروف بذلك. صاحب كل هذه الإجراءات الهادفة لتأمين صحة وسلامة وأمن المواطن توفير كامل وبانسيابية لكافة السلع والخدمات من ماء وكهرباء وتعمل على مدار الساعة وبمهنية عالية حتى في أوقات حظر التجوال الجزئي أو الكلي المفروض للحد من انتشار الجائحة.
صدى نجاح جهود المملكة محلياً من التقليل من الأضرار الناجمة عن جائحة كورونا لم يكن لتكتفي به قيادة المملكة فوجدت بأن مسؤولياتها الدولية والتي تثبت الأحداث والأزمات السابقة أنها قد حملتها بكل جدارة ومسؤولية والتي زاد عليها ترؤسها لمجموعة العشرين الاقتصادية، وعليه فقد دعا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود لقمة افتراضية لرؤساء وممثلي المجموعة وقادة المنظمات الدولية والإقليمية وذلك عبر شبكة الإنترنت في الثاني من شهر شعبان 1441هـ الموافق للسادس والعشرين من مارس 2020م.
وكما كانت كلمة الملك مُقتضبة وصريحة وشفافة لمواطنيه والمقيمين على ضوء جائحة كورونا والذي أكد فيها على أن الإنسان وسلامته هو ركن الزاوية في المواجهة، فقد جاء الخطاب الملكي في قمة العشرين الافتراضية مؤكداً مرة أخرى على التركيز على الجانب الإنساني للأزمة التي يواجها العالم. جاء الخطاب الملكي مُركزاً ولامس الأزمة بكل شفافية وصراحة وبعشرة محاور رئيسة بدأت بالإنسان الذي كان محور الخطاب الملكي من ألفه إلى يائه. بدأ الخطاب في محوره الأول بتقديم العزاء لكافة دول العالم ومواطنيه في الخسائر البشرية التي سببتها ولا تزال الجائحة، وليؤكد الملك في المحور الثاني حقيقة ذات أهمية قصوى وهي ضرورة التعاون الدولي ليتمكَّن العالم من مواجهة الجائحة وبأن الأزمة تحتاج لاستجابة عالمية لمواجهتها وهو الأمر الذي يعني أيضاً أهمية تفعيل الإجراءات الخاصة بكل دولة في مواجهة الفيروس وهو ما أشار إليه الخطاب الملكي في المحور الثالث وبأن المملكة تتخذ كافة الإجراءات الاحترازية لضمان سلامة الأفراد، وجاء المحور الرابع من كلمة الملك للقمة مؤكداً أن التعاون الدولي ومن خلال مجموعة العشرين مهم من خلال ثلاثة أسس هي تطوير أعمال البحث للتوصل إلى لقاح ضد فيروس كورونا، ضرورة توفير الإمدادات والمعدات الطبية اللازمة وبأهمية وضع إطار عالمي تكون مهمته مكافحة ما قد يتفشى من أمراض معدية في المستقبل. جاء المحور الخامس والمتعلّق بحماية الناس من الجائحة بأهمية الاستجابة الدولية لمواجهة الجائحة خصوصاً كل ما من شأنه رفاهية وسلامة الإنسان من حزم تحفيزية وتدابير احترازية وإجراءات لحماية الوظائف. المحور السادس نوَّه فيه الخطاب الملكي إلى أهمية دور مجموعة العشرين في إعادة الثقة في الاقتصاد العالمي وباستعادة تدفق السلع والخدمات وخصوصاً الإمدادات الطبية الأساسية، وفي المحور السابع ذي العلاقة بالمحور الذي سبقه ومن خلال ما عُرف عن المملكة من تقديم العون للدول النامية فقد أكد الخطاب الملكي على أهمية مد يد العون للدول النامية لمساعدتها في مواجهة تداعيات أزمة الجائحة. وتطرَّق المحور الثامن للخطاب الملكي إلى أن لمجموعة العشرين تجربة سابقة في تخطي الأزمات، ويذكر في هذا الصدد بالأزمة المالية العالمية التي حدثت عام 2008 . ومن خلال نجاح مجموعة العشرين في تجاوز الأزمة المالية العالمية يؤكد الخطاب الملكي للقمة الافتراضية أن المجموعة -وبعون منالله ومن خلال التعاون المشترك- سوف تتجاوز هذه الأزمة بنجاح وهو ما تضمنه المحور التاسع للخطاب الملكي الذي جاء محوره العاشر مليئاً بالتفاؤل ومحفزاً للجميع وبأنه وبانتهاء الأزمة سوف يمضي الجميع نحو مستقبل ينعمون فيه بالرخاء والصحة.
بالكاد وبانتهاء القمة الافتراضية لمجموعة العشرين الاقتصادية والتي رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حتى بدأت وبرعاية مباشرة من صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود اجتماعات المجالس الوزارية للمجموعة وبرئاسة المملكة ومن ذلك وزراء المالية والاقتصاد والطاقة والاستثمار والكثير من المشاورات في قادم الأيام وذلك لتفعيل مقررات القمة وجعلها واقعاً ملموساً وليتضح للعالم أجمع في كل يوم أن ما تضمنه الخطاب الملكي للمجموعة من أهمية وحتمية التعاون الدولي هو أمر حتمي ولا خيار متاحاً سواه للبشرية وهو الأمر الذي بدأت تدركه عن قناعة تامة كافة دول العالم. ولعل هذا التعاون الدولي لمواجهة جائحة كورونا والذي جاء في الخطاب الملكي نرى تطبيقه الفعلي في مشاركة ما يقارب من 280 طبيباً سعودياً للعمل مع زملائهم الفرنسيين في الخطوط الأمامية في المستشفيات الفرنسية لرعاية المصابين بالفيروس، في رسالة لا لبس فيها ترمز للأخوة الإنسانية وقت الأزمات والكوارث.
التاريخ سوف يوثِّق أن الله شاء أن يتعرض العالم لجائحة فيروس كورونا، وأن الله شاء -كذلك- أن تترأس المملكة العربية السعودية مجموعة العشرين الاقتصادية خلال الجائحة، وأن القرارات والإجراءات التي اتخذتها المملكة وقيادتها على الصعيد المحلي والدولي وضعت الإنسان على سقف الأولويات في مواجهة الجائحة، وأضحى ذلك شأناً يعتز به كل مواطن من هذه الأرض المباركة وتتناقله الأجيال، جيلاً بعد جيل.