د. أحمد الفراج
نواصل الحديث عن نواب الرؤساء الأمريكيين، الذين كان من الممكن أن يغادروا مواقعهم دون أن يعرفهم أحد، ولكن الصدف والأقدار جعلتهم يتسنَّمون منصب الرئيس، ثم يدخلون التاريخ كزعماء كبار، فبعد ثيودر روزفلت، الذي تحدثت عنه في المقال الماضي، نعرِّج على نائب رئيس آخر، جاء من اللا مكان ليصبح نائباً لرئيس تاريخي، ثم مات هذا الرئيس، فأصبح رئيساً، وقصة هاري ترومان، الذي ولد في مزرعة بمدينة صغيرة بولاية ميزوري، عجيبة، فقد كان عضواً في مجلس الشيوخ عن ولاية ميزوري، وعندما ترشَّح الرئيس الاستثنائي، فرانكلين روزفلت للفترة الرابعة، في عام 1944، أي في أوج الحرب العالمية الثانية، كان نائبه، هنري والاس، له شعبية جارفة. هذا، ولكن بعض مستشاري روزفلت اعتقدوا أنه كان يسارياً أكثر من اللازم، وأنه يتوجَّب على روزفلت استبداله، وقد استطاعوا إقناع روزفلت، الذي أزاح نائبه والاس، وبعد البحث والتقصي والمفاضلات، اختار السيناتور، هاري ترومان، ليكون نائباً له، وقد فاز روزفلت، وأصبح ترومان نائباً للرئيس.
لم يكن روزفلت، الذي كان مريضاً جداً، مقتنعاً بترومان، ولذا لم يكن يستشيره، وبعد مضي عدة أشهر، مات روزفلت، وأصبح ترومان هو الرئيس، وقد كان على قدر التحدي، ولذا تم انتخابه رئيساً مرة أخرى، في انتخابات عام 1948، وقد اتخذ ترومان قرارات كبرى، سجلها له التاريخ، فهو الذي أعطى الأوامر بضرب اليابان بالسلاح الذري، وهو الأمر الذي أنهى الحرب الكونية الثانية بانتصار الحلفاء، وأعطى أمريكا موقعها كقوة عالمية عظمى، إذ كان الحلفاء قد قرَّروا غزو اليابان، القوة العظمى حينها، ولكن الرئيس ترومان قرَّر استخدام السلاح الذري، وبهذا يكون هو الزعيم الوحيد في التاريخ الإنساني، الذي استخدم هذا السلاح الفتَّاك، وعلاوة على حسم ترومان للحرب الكونية، فقد كان هو من نفذ خطة مارشال، لبناء اقتصاد أوروبا الغربية بعد دمار الحرب، وهو وراء تأسيس حلف الناتو، وليست هذه فقط إنجازاته، فقد قرَّر إنهاء سياسة الفصل العنصري في الجيش الأمريكي، وهي خطوة جبارة، كما كان أحد مؤسسي الأمم المتحدة، والخلاصة، هي أنه لو لم يُصر أقطاب الحزب الديمقراطي على الرئيس روزفلت لتغيير نائبه، لما وصل ترومان لمنصب نائب الرئيس، ولو لم يتوفَ روزفلت، لما أصبح ترومان رئيساً، ومع ذلك، فقد كانت له إنجازات كبرى، جعلت المؤرِّخين يصنِّفونه كواحد من أفضل عشرة رؤساء عبر التاريخ الأمريكي!