محمد ناصر الأسمري
العَلَم رمز، راية للنصر والهزيمة؛ فالعَلَم مناط التفاف الوطن شعبًا وقيادة ومؤسسات في بوتقة الاتحاد الوطني أيًّا كان يحمل هذا العَلَم من رموز ودلالات. فلا مسيرة حرب، ولا عرض إلا بعَلَم. ومع أن الراية البيضاء في ثقافتنا العربية تعني الرفعة للشأن والعلو لمن أسدى عملاً ترضى به وعنه بنو المجتمع الجمعي فلا أعلم كيف جاء عَلَم الهزيمة راية بيضاء، تُرفع للاستسلام أمام المنتصرين في الثقافة العالمية، وبخاصة في أعراف الجيوش؟!
هذا جزء من مقال كتبته عن العَلَم السعودي، نشرته مجلة اليمامة بتاريخ 28-11-2019م.
http://www.alyamamahonline.com/SectionPage.aspx?classId=6
وهنا اليوم أكتب عن تاريخ من الفواجع التي ابتُلي بها العالم في بداية الألفية للقرن الـ21.
فقد ظهرت أسماء لكتب، أخذت من الألوان عناوين لها. فهذا كتاب أبيض، وآخر أخضر.. ولا أعلم إن كان لبقية الألوان كتب. ولعل من أسوأ الكتب البيضاء كتاب تشرشل الذي أيّد وعد بلفور بإقامة وطن لليهود على أرض فلسطين، وكذا الكتب البيضاء التي ظهرت في أعقاب الحروب المدمرة التي روعت البشر، ودمرت الحجر. ولعل الكتاب الأبيض الذي برر لحرب جيش صدام حسين على الكويت، وكذا أحداث أو غيرها في الوطن العربي، أمثلة.
كنتُ طالب دراسات عليا في الولايات المتحدة الأمريكية في بداية التسعينيات (1980)، وكانت منشورات متتالية، تصل للطلبة العرب من مختلف التوجهات السياسية الأيديولوجية، وكان من أبعدها عن العقلانية كتاب الراحل العقيد معمر القذافي (الكتاب الأخضر) الذي قالت عنه موسوعة الويكيبديا: «كتاب فلسفي، ألّفه القائد الليبي السابق معمر القذافي عام 1975، وفيه يعرض أفكاره حول أنظمة الحكم، وتعليقاته حول التجارب الإنسانية، كالاشتراكية والحرية والديمقراطية. ويعتبر هذا الكتاب أساس النظام الجماهيري الذي ابتدعه معمر القذافي».
لكن الكتاب قد قوبل بتقريظ من جوقة الهتيفة في العالم العربي، إما خوفًا أو تملقًا. وفي الوقت نفسه قوبل بسخرية واسعة في الأوساط الثقافية. فعلى سبيل المثال كتب علي محمد الغريب في موقع لها أون لاين نقدًا عنيفًا وساخرًا من العقيد وكتابه، جاء فيه:
«وحين نتأمل ما يحدث الآن علينا أن ندرك أنه ليس وليد اعتراضه على مطالب التغيير في بلاده، بل هو وليد التصفيق والتشجيع لرجل بليد، إما بدافع الرهبة منه، أو الرغبة فيما عنده. فسيرة الرجل مليئة بالمفارقات الصارخة التي تجعل المتابع يخرجه من زمرة العقلاء. وبالرغم من هذا فهو رئيس يتحكم في مصير شعب بأكمله، بما فيه من عقلاء وعلماء ومفكرين ونساء ورجال وأطفال وشيوخ. والقذافي نموذج يعكس حجم الفشل والخيبة التي تعيشها أمة العرب منذ أكثر من نصف قرن على مستويات كثيرة».
https://www.lahaonline.com/articles/view/37809.htm
ولا يُعرف السبب في تعلُّق القذافي باللون الأخضر؛ فقد جعل عَلَم ليبيا أخضر، لكن ليبيا بعد انهيار نظامه عادت لعَلَم ليبيا الذي اعتُمد حين استقلالها في العهد الملكي، وتوحُّد أطرافها.
حين زاد حنق الأنظمة الدكتاتورية من قذافية وصدامية وخمينية توالت المكائد والتحريضات ضد طلبة الخليج، وخيمتها المملكة العربية السعودية، لكن ثبات جُل الطلبة السعوديين كان صخرة صلدة ضد كل أفكار العبث بالأوطان، وبان كم كانت جرعات الحب للوطن عالية وغالية. وكما هو الحال اليوم مع بنات وأبناء الوطن المبتعثين في بلدان العالم، فما زالت الأجيال تتوارث الحفاظ على الوطن ومكتسباته رغم أنوف المتأدلجين والخونة الصغار والكبار في كل الأمصار.
وهنا التهاني متبادلة بين القيادات لوطننا والشعب يغني ويغني.