محمد آل الشيخ
في زمن الأوبئة وانتشار العدوى والأمراض تتغير كثير من المفاهيم والقيم إلى ضدها في بعض الأحايين. هذا ما أشار إليه حماقة وجهل أحدهم، الذي دعا ما يقارب الأربعين رجلاً إلى مأدبة غداء بالقرب من «بعارينه» في أحد أرياف مدينة الرياض، غير آبه بتعليمات وتحذيرات السلطات الصحية بمنع التجمعات والاحتفالات مطلقًا. فقد توهم هذا الأحمق أن (الكرم) -أو كما يسمونه (علوم الرجال)- أسمى من أن يشمله المنع وينتشر فيه فيروس كورونا، غير أن هذه (المأدبة) التي أراد منها صاحبها التفاخر والتباهي بثروته انقلبت إلى مأساة؛ فقد التقط أغلب المعازيم الوباء، وانتشر فيهم انتشار النار في الهشيم، وتتبَّعت السلطات الصحية كل مَن حضر هذه المأدبة المشؤومة، على أنها (مخالطة)، قد تؤدي إلى انتشار الوباء؛ فقامت بالكشف بعد أن اتضح أن عددًا ممن حضرها من المدعوين كان مصابًا بالفيروس.
طبعًا لا أعتقد أن صاحب الدعوة كان قاصدًا، إنما كان جاهلاً متخلفًا، ومستهترًا بتعليمات السلطات الصحية؛ فأدى به هذا الاستهتار إلى أن مأدبته التي أراد منها التباهي والتمظهر بالثروة والغنى ارتدت عليه؛ فأصبح سببًا بإصابة كل مَن دعاهم بهذا الفيروس الخبيث.
ويُقال إن أحد أبنائه أشار عليه معترضًا على استهتاره بتعليمات الدولة؛ فأجابه بغرور فارغ وغباء: (علوم الرجال صارت عيب)؟! ورمى بنصائحه، واستمر هذا الجاهل في استهتاره ولا مبالاته، وأضاف: (اللي من الله حياه الله).
المملكة اضطرت أمام هذا الاستهتار إلى أن ترفع منع التجوُّل إلى أربع وعشرين ساعة. وكان وزير الصحة قد صرَّح بشفافية بأنهم اضطروا إلى ذلك بسبب أن منع التجوُّل الجزئي غير كافٍ؛ لأن عدم تقيُّد البعض أدى إلى انتشاره، ولاسيما أن هذا الوباء لا يمكن محاصرته وكبح جماح انتشاره إلا بالعزل، ومنع التجمعات. كما (حذر) من أن أربع دراسات، أجرتها الوزارة لقراءة ما يمكن أن يؤول إليه هذا الوباء، كانت توقعاتها لأعداد المصابين تتراوح بين عشرة آلاف ومائتي ألف مصاب في الأسابيع القليلة المقبلة. والأمر هنا متعلق بوعي المواطنين والتزامهم بتنفيذ تعليمات الدولة في الابتعاد عن التجمعات، والتقيُّد بغسل الأكف بشكل مستمر. وقد حدد معاليه أن القضاء على هذه الجائحة نهائيًّا يتطلب ما بين أربعة أشهر إلى سنة. وهو بكل المقاييس زمن طويل، لكن هذا الزمن قد يكون أقصر فيما لو تم اكتشاف دواء لهذا الوباء، يحد من انتشاره. وحسب متابعتي، فإن دور الأبحاث العالمية تحثُّ الخطى، وتتنافس للوصول إلى هذا الدواء.
ومهما يكن الأمر فإن هذا الوباء سيتم القضاء عليه إن عاجلاً أو آجلاً، لكن المشكلة تكمن فيما سيُحدثه هذا الوباء من خسائر اقتصادية كبيرة، سيكون لها آثار قد تكون مدمرة على اقتصاديات بعض الدول، وبخاصة الدول الفقيرة منها.
إلى اللقاء