أ.د.محمد بن حسن الزير
وفي هذه الحلقة أترك هذه المساحة لقلم الأديب الكبير الشيخ الأريب الأستاذ (عبد الله بن محمد بن خميس) ليحدثنا عن أهل تلك الصور العظيمة التي قدمها عظماء خالدون صمودًا وتضحيات وفداء؛ يقول - رحمه الله - (معجم اليمامة 1/424-425):».. ولا ننسى بهذه المناسبة أن نشيد وننوه بأسر وأفراد كرماء أوفياء جاهدوا في الله حق جهاده، في حروب الدرعية ضد الغزاة لهم تضحيات هي مضرب المثل ومنتهى ما يجود به جواد.. «والجود بالنفس أقصى غاية الجود».. تصدوا لهذه الطغمة الغاشمة الظالمة فأعطوها درسًا في الكفاح والنضال ما عهدته من قبل.. ولكنه طال زمن الكفاح وتركت وحدها في الميدان فنفذ الله إرادته وقضى أمره؛ فمن هؤلاء آل سعود القادة الأوفياء الذين كانوا يوجهون الكفاح ويعطون المثل للآخرين، ويقدمون النفوس، ويبذلون المهج، ويمثلون القيادة أصدق تمثيل، سقط منهم في حرب الدرعية واحد وعشرون بطلاً كل منهم قائد بجبهة من الجبهات؛ وهم: فيصل وإبراهيم وتركي أبناء سعود بن عبد العزيز، وفهد بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، ومحمد وإبراهيم وعبد الله وعبد الرحمن أبناء حسن بن مشاري بن سعود، وإبراهيم بن عبد الله بن فرحان، وعبد الله بن ناصر بن مشاري، ومحمد بن عبد الله بن محمد بن سعود، وسعود بن عبد الله بن محمد بن سعود وابنه محمد، والبقية من آل ثنيان، وآل ناصر، وآل هذلول.. هؤلاء غير الشهداء الآخرين الذين استشهدوا في المعارك خارج الدرعية..
وأسرة آل الشيخ جاهدت بلسانها وسنانها وأبدت بسالة وموقفًا حازمًا، سقط منها في حرب الدرعية عالمٌ جليل هو الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب قُتِلَ صبرًا؛ قاده الباشا بنفسه إلى المقبرة وضرب الطبول وآلات اللهو أمامه إهانة وإمعانًا في التنكيل، وجعله على حافة القبر وأمر زبانيته أن يُطلقوا رصاصهم عليه حتى مزقوه، فجُمِعَ لحمُه ودُفن.. غفر الله له. وقُتل أيضًا من هذه الأسرة محمد بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
وقُتل من أسرة آل معمر خمسة عشر رجلاً، ومن آل دغيثر ستة رجال، ومن آل سويلم، ومن البواهل، ومن آل معيقل، ومن آل عفيصان، ومن آل يحيى، ومن آل غيهب، وغيرهم من الأسر الكريمة العزيزة ذات الوفاء والشرف.. قُتل منهم خلق كثير، رحمهم الله.
وممن قُتل صبرًا من الأفراد الشيخ علي بن حمد بن راشد الدريبي، وصالح بن رشيد الحلربي، وعبد الله بن صقر الحربي، والشيخ رشيد السروتي، وعبد الله بن حمد بن كثير، وعبد الله بن محمد بن سويلم، وحمد بن عيسى بن سويلم، ومحمد بن إبراهيم بن سدحان، والشيخ أحمد بن رشيد الحنبلي، وغيرهم -رحمهم الله.
ومن الأفراد الذين كان لهم يد طولى في الجهاد والنضال ربيع بن زيد الدوسري، وشديد اللوح؛ صاحب الصفرات، ومحمد العمري، وعبد الله بن مزروع، وعثمان المضايفي، وكثير كثير ممن لا تحضرني الآن أسماؤهم. وهؤلاء نموذج يسير من رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، جاهدوا وصبروا وصابروا حتى الشهادة؛ فلهم منا الوفاء لخلفهم، والدعاء لسلفهم، والمثوبة والأجر من ربهم» انتهى.
وكان شيخ أولئك العظماء الفدائيين هو الإمام (عبد الله بن سعود) الذي قدم نفسه في شجاعة وإيثار فداء للدرعية وأهلها وللمحافظة على البقية الباقية، قدَّس الله روحه، وتقبله ورفع مكانته في عليين مع الشهداء والصالحين، وهؤلاء العظماء الأماجد، الذين ذكرهم التاريخ، يمثلون كثيرين غيرهم من جنود الحق المجهولين الذين انطووا في صفحات الغيب؛ ممن قُتِلُوا في سبيل الله، وهم وإن لم تذكرهم صفحات التاريخ، فهم -بإذن الله وبفضله - في صفحات الخلود عند عالم الغيب والشهادة، ونحسبهم ونحتسبهم عند الله أحياء يُرزقون! وللحديث صلة.