ميسون أبو بكر
الكتابة عن شاعر مغامرة لا تدري أين تحملك مراكبها أو تتوقف بك الرحلة، مرافئ لا بوصلة لها، وأمواج تشاكسك أينما حللت، ومخاطرة تأخذك لقصص حب كما لو أنها تعويذة حياة وفرح، أو لأماني شدت بها حروف شاعر حالم.
الكتابة عن معالي الشاعر عبدالعزيز خوجة هي التحليق بين الشعر والكيمياء والسياسة والدوبلوماسية، حيث حمل حقيبتين الشعر والدوبلوماسية، فمنحه الشعر تأشيرة لدخول القلوب المرهفة والمتذوقة للشعر المعذبة بالحب والتي تجد في القصيدة قارب نجاتها وخلاصها، ومنحته الدوبلوماسية صداقة مدن أحبه أهلها، ولم تغادره يوما رغم أنه كالطائر الذي لا عنوان له.
د. عبدالعزيز خوجة الشاعر الإنسان، والوزير الفنان الذي رسم للثقافة السعودية خريطة لن ينساها المثقفون طيلة حياتهم، أولئك الذين فتح لهم أبواب بيته وقلبه ووزارته، بعيداً عن الرسميات والبروتوكولات والمواعيد التي قد ترهق روح المبدع وتخدش روحه ومكانته.
خوجة لم يدرس الكيمياء المختصة بالمختبرات ومعادلاتها فحسب، بل برع بجدارة في كيمياء الإنسان والحياة، ومنحه محبوه شهادة لا يحملها إلا إنسان حقيقي، وتعلق بجدارة على جدار لا تنهدم أركانه.
معالي خوجة هو الوزير الذي لم تثنه الحقيبة الوزارية أن يظل إنسانا بضحكته التي عهدناه، وقصائده التي كانت تتلقفها الصفحات الثقافية في الجرائد الورقية لوطننا العربي الذي جمعت أوصاله القناة الثقافية التي انطلقت في عهد وزارته من أرض الثقافات ومركز الحضارات المملكة العربية السعودية، فقد كانت القناة الثقافية كقوى ناعمة جمعت ما أفسدته السياسة وما تحاول العولمة بمعاولها هدمه، وفي ركض الشباب للفضاء الإلكتروني وعوالمهم الخاصة استطاعت أن تلفت انتباههم وأن يكونوا جزءاً أصيلاً منها كمبدعين وكإعلاميين بدأوا أولى خطواتهم على عتباتها ولم يثنهم نقد المثقفين عن التوقف أو التقاعس عن المضي رغم خبرتهم القليلة وبعض الأخطاء التي سرعان ما تداركها معظمهم.
عبدالعزيز خوجة هو الشاعر الذي لم يرهق روحه الركض في بلاط صاحبة الجلالة أو دهاليز الإعلام الذي ندرك المنافسات المقبولة أو غير الإنسانية أحياناً والذي كان يقود دفة الإعلام بجدارة ويسبر أغوار النفوس وبهدوئه وإنسانيته يتغلب على كل المعوقات في وزارة بوزارتين الثقافة والإعلام.
لا تبرح ذاكرتي الحكايات التي بعد حين أصبحنا نستعيدها كزهونا بما تحقق اليوم مقارنة بالصعوبات التي واجهتنا في المشهد الإعلامي ولم تكن تثننا كأصحاب رسالة، فلا زلت أتذكر حادثة معرض الكتاب التي واجهها خوجة بشجاعة وأخلاق إنسان تأبى إلا أن تكون معياراً لإنسانيته وتعامله مع الآخرين مهما كانوا، ثم عملية القلب المفتوح التي أجريت له أثناء وزارته ولم تثنه عن إتمام عمله الوزاري رغم كل الإرهاق والتعب الذي لم يرهق قلبه عن العمل، وما حييت سأذكر الحديث الذي دار معه حول إمكانية استمرار كتابة القصيدة لدى شاعرنا بعد أن فتح الأطباء قلبه واستحلوا دروبه وشرايينه بمشارطهم.
كلما زرت طيبة الطيبة تذكرت رائعة خوجة التي ألقاني أتمتمها وأرددها كتعويذة حنين للحرم النبوي والتي لا تضاهيها من وجهة نظري قصيدة أخرى، وقد أعدت مع الشاعر الكبير فاروق جويدة في الفجيرة بعض ذكرياته مع شاعرنا الصوفي.
وزير التنوير هو معالي د. عبدالعزيز خوجة الذي عرفته شاعراً وسفيراً ثم وزيراً، والذي ما زلت أستذكر الكثير عنه مما رواه لي معالي د. غازي القصيبي -رحمه الله- بعد لقائي التلفزيوني معه في مكتبه بوزارة العمل والذي يلقي الضوء عن قرب على هذا الإنسان الذي أبى في كل مواقعه الوظيفية ومراكزه إلا أن يتقي شاعراً أولاً وأخيراً.