خرج النظام الرأسمالي من «مأزق» عشرينيات القرن الماضي بالحرب العالمية الثانية، التي اضطر خلالها للتحالف مع ألد أعدائه ضد الفاشية كي لا يسقط. فمع من سيتحالف بالحرب العالمية الثالثة الجارية حالياً؟ وضد من؟ من أجل حماية نفسه من السقوط! هل سيتحالف مع الصين لتدمير الصين؟ أم مع روسيا لتدمير روسيا؟
العبرة المستخلصة من الحرب الثانية هي: أن أي حوت من حيتان الرأسمال -مهما بلغت الضخامة والقوّة لديه- لا يستطيع ابتلاع الحيتان الأخرى كلها! بالإضافة إلى أن عدو النظام الاستعماري الحالي (الصين أو روسيا) لا يعانيان من الوهن الاقتصادي كما الاتحاد السوفييتي السابق، ولم تنفع العقوبات الاقتصادية حيالهما، بل تضرر الاقتصاد الرأسمالي العالمي أكثر من اقتصاد روسيا والصين. والحيتان الرأسمالية الأصغر تهبّ شعوبها الآن لتجبرها على أتباع النهج الصيني! أما استبعاد الحرب النووية من المخطط فلم يكن نتيجة موقف أخلاقي، إنما لأنه يؤدي إلى هلاك الجميع!
طوال التاريخ البشري و»الخونة» هم الأساس الذي يستعين بهم حيتان المال لتدمير المجتمعات والسيطرة عليها. ولم يسقط الاتحاد السوفيتي السابق إلا بالخونة! ولكن هؤلاء الخونة -مهما بلغت خساستهم ودرجة تدريبهم وتزييف تسمياتهم كـ»القاعدة وداعش وغير ذلك كثير»- لم يستطيعوا تدمير دولة «نامية» واحدة، فضلاً عن تدمير دول عظمى أو إحلال نظام عالمي جديد حسب الطلب الرأسمالي! ما الذي يبقى إذن أمام الطغمة المافيوية العالمية المسماة «إمبريالية» لتمرير «عولمتها اللصوصية»؟ بل ماذا بقي لدى الرأسمال لتغطية عورته بعد انكشاف الحقيقة؟ هل المقولات المزيفة، التي حرص ويحرص الرأسمال على ألا يكون لها تعريف واضح، كـ»الديمقراطية والحضارة ونهاية التاريخ وما شابه» قادرة على ستر عورته بعد كرونا؟
الطامة الكبرى هي أن هناك جزءا مما يسمى «النخبة» يصوّر -حسب الطلب الأمريكي- العولمة وكأنها «جائحة كورونا»! ونسي أو يتناسى أن الترابط الاقتصادي العالمي الذي يطلق عليه اسم «عولمة»، هو واقع تعيشه البشرية بعد تطورها العلمي الهائل! ولا مجال لإلغائه وكأنه قرار من حالم قد اتخذ على حين غرّة! ويروّجون كذلك أن هذا الترابط لا يمكن الاستمرار به إلا بشروط المافيا الرأسمالية! وقد يعجز البعض من هؤلاء «النخبة» عن فهم حقيقة العولمة. فالعالم كله يقر ويبصم بالعشرة أن البشرية قد قطعت شوطاً طويلاً من التطور- خلال قرنين ونصف القرن تقريباً في ظل النظام الرأسمالي- ما لم تستطع بلوغ عشره خلال آلاف السنين! وهذا التطور والازدهار المتسارع لا بد له أن يستمر. وهو لا يمكنه الاستمرار تحت حكم الأغنياء اللصوص غير المنتجين! الذين يزرعون الموت بالمؤامرات والحروب ليحافظوا على امتيازاتهم! والدليل أن معدل النمو يتجه نحو الصفر أو ما دون في دول حيتان المال! بينما يتجه نحو الارتفاع في الصين! والسؤال الملح هنا: ما الذي يجعل الصين قادرة على تحقيق مثل هذا التقدم؟
الصينيون أنفسهم يؤكّدون؛ وكذلك اقتصاديو العالم؛ أن النظام الاقتصادي الصيني هو رأسمالي!.. أين يكمن السر إذن؟
الحقيقة التي يتحاشى ذكرها حيتان المال ومن يرتبط بهم من «النخبة» هي:
أولاً: أن الصين يحكمها حزب وليس فردا على شكل قيصر أو رئيس وزراء أو رئيس جمهورية أو غير ذلك، وبالتالي لا مجال هنا للحديث عن الديكتاتورية كما يدعي حيتان المال.
ثانياً: هذا الحزب هو حزب الفقراء أو «المستضعفين في الأرض» كما يحلو لرجال الدين تسميتهم. وهو يعطي كامل الحق «الاقتصادي» للأغنياء أن يساهموا بعملية التنمية والتطور! ولكنه لا يعطيهم أي حق لسحق الفقراء وامتصاص دماءهم، وهذه هي «الديمقراطية» التي يتشدق بها كذباً حيتان المال!
ثالثاً: أن هذا النموذج الاقتصادي الذي نهض بالشعب الصيني من الفقر إلى حيازة المرتبة الثانية وأكثر عالمياً، هو النموذج الذي لا يحتاج إلى دسائس ومؤامرات وخونة وحروب، من أجل عولمة تنقذ البشر من الهلاك المحتوم إذا استمروا بحكم اللصوص!
** **
- د. عادل العلي