ليس بإمكانك وأنت تسمع اسم الدكتور عبدالعزيز خوجة إلا أن تسافر برحلة عبر حياته المتنوعة العطاءات، فهو الدبلوماسي الذي يُضمّخ عمله، أنّى كان، بشاعريته التي تطغى على تصرفاته، فتجده يقارب الأمور مقاربة إنسان مرهف الحسّ مقدّرًا الحالة العامّة التي يعيشها البلد الذي يكون فيه بمهمة رسمية، فيحيطه النّاس لا كسفير دولة كبرى، بل كإنسان شاعر مثقّف طلق المُحيّا لا تكاد ترى العبوس على وجهه.
سأتحدّث عن الشاعر عبدالعزيز خوجة الذي كان ضيفًا لَدَيّ في (سلسلة أيام معهم) والتي تضمّ خمسة شعراء هم: جرير، نزار قبّاني، محمد الفيتوري، عبدالعزيز خوجة، هدى ميقاتي.
كانت الرّحلة مع الشاعر ممتعة سلسة، انتقلت البطلة (رغد) معه في أماكنه الخاصّة، فكلّمها عن أهله وبيته وأمّه، وقرأ لها القصائد في كل مناسبة، وأخذته إلى أماكنها التي ترتادها، فذهبا إلى الرّوشة وجلسا في المقهى البحري (دبيبو) وكان حوارًا عن الأمكنة في حياة كلّ منهما، وعبّر عن الأمكنة في حياته وتنقّلاته بسبب عمله وتأثير المكان في شعره.. أما الفصل الأهمّ في الكتاب فهو الحديث عن الحب في حياة الشاعر، والقصائد التي كتبها في كل مراحل حياته، وقد أفردتُ في الكتاب فصلاً خاصًّا أسميته (خيمة الشعر) كان الشاعر عبدالعزيز خوجة هو المضيف، وكانت (رغد) بين الضيوف تدوّن ما يقولونه، وكان عمر بن أبي ربيعة يمثّل الغزل الإباحي، كما يسمّونه، وجميل بثينة وقيس ليلى يمثّلان الحبّ العذري، والشاعر خوجة يحاول أن يكون وسطًا بين الحالتين.
عندما كنت في المملكة في زيارتي الأخيرة قرأ لي الصديق عبدالعزيز خوجة بعضًا من كتابه الجديد، استغربت الاسم أوّلًا (تجربة)، ولكني سرعان ما تذكّرت أن الاختصاص لا بدّ أن يترك أثره في الإنسان مهما ابتعد عنه، فالشاعر في الأصل درس الكيمياء، والكيمياء تعتمد على التجربة، ولا بد أن عبدالعزيز خوجة اعتبر أن مجيء الإنسان إلى الحياة هو تجربة تضمّ تجارب كثيرة، فلا عجب أنه خرج عن المألوف في تسمية السيرة الذاتية، ولفتني أسلوب التعبير عن هذه التجربة، فهو يستخدم الأسلوب القصصيّ فتارة يعود إلى الوراء، إلى الطفولة وتارة إلى المستقبل، وتارة تجده في اللحظة التي يتكلّم عنها.. سررت بالأسلوب القصصي الذي كتب فيه مذكّراته، وليس غريبًا على شاعر يكتب القصيدة التي في كثير من الأحيان تعبر عن قصة صغيرة تبدأ بلقاء فحب ففراق مثلًا، مع كل ما في هذه القصة من مشاعر متنوعة، ليس غريبًا أن يكتب تجربته مع الحياة بأسلوب قصصيّ مميز.
أحسست أن التجربة تستحق أن تحوّل إلى فيلم سينمائيّ فهي تجربة غنيّة بكل ما في هذه الكلمة من معنى.
عبد العزيز خوجة.. الإنسان، الشاعر، الدبلوماسي.. يمثّل وطنه المملكة العربية السعّودية خير تمثيل أينما حلَّ.. ويمثّل الرجل العربي الجميل الذي لا يوفّر جهدًا لإسعاد كلّ مَن حوله من أهل وأصدقاء وموظّفين وحتى غرباء.
بوركت صديقي الرائع وبورك قلمُك الذي لا يجفُّ ولا يتعب.
** **
- غريد الشيخ محمد