وصف الجاحظ المعاني بالملقاة على قارعة الطريق، ومن ثم فمن البديهي أن تكون علاقة العلم بالمعرفة، وعلاقتها بالحقيقية مما أصبح من البديهيات التي تجاوزها العلم وأثبتتها المعرفة الإنسانية منذ عقود، إلا أن عجز العلم أمام ظاهرة ما مع ما امتدت إليه «ببنيات الثورات العلمية» في زمن اقتصاديات المعرفة والصادرات والواردات العلمية والمعرفية، يعيد حالة العجز إلى تساؤلات، أبرزها: لم عجز العلم؟ وماذا بعد عجز العلم؟!
وإذا كان للعلم ثلاثة أهداف: الفهم، التنبؤ، الضبط والتحكم، فلتحقيقها في أي مجال علمي، فلا بد له من افتراضات تقوم عليها مناهجه العلمية، التي تنطلق - بالضرورة - مستفيدة من بعدين من المسلمات: الأولى: مسلمات الطبيعة العامة، والأخرى: مسلمات الطبيعة البشرية؛ ما يجعل من العلم نشاطاً (إنساني)، يستمد مسلماته من هذين البعدين، ما يعيد العلم أمام عجزه إلى الحد وإلى المستوى الذي يقف عنده العقل، وماهية أدواته ووسائله التي تمكنه من اجتياز حاجز الفهم، مما لا يمكن للعقل أن يسنده إلى ما يرقى إلى الاقتناع بتبريره، لا بوصف الإنسان كائن تبريري، وإنما التبرير المنهجي بوصفه أولى خطوات مواجهة ثقافة العجز وتداعيات تجلياتها.
أما عن «ما بعد عجز العلم»، فهي المراحل التي أنجبت الثورات العلمية، والفتوحات المعرفية في تاريخ البشرية، التي أسهمت في مراجعات فلسفة العلوم، وأسست لاستنارة في مجالات البحث العلمي، وتثاقف للتجارب الرائدة بين الحضارات، وحفوت على استعارات لبناء نماذج معرفية متطورة، منطلقاتها: التراكمية، التنظيم، البحث المنهجي عن الأسباب، الشمولية، الدقة.. ومع أن من يقينيات العقل أن يكون متيقناً من عجزه، فمن اليقينيات أيضاً أن الالتزام بالأفكار الذائعة في مجال البحث العلمي، وإنكار قدرات العقل وفاة سريرية، على مستوى الأفراد والمنظمات والدول والحضارات.
* تقول نتائج بحوث علم الاجتماع: إننا لن نستطيع العيش دون وسائلنا.. فهل نستطيع تصنيفها إلى ما هو من ضروريات الحياة.. والترف؟!
** **
- محمد المرزوقي