ميسون أبو بكر
امتلأ صندوق رسائلنا الإلكترونية بما يصلنا لحظياً عبر الوسائل المختلفة للتواصل الاجتماعي من رسائل حول فيروس العصر كورونا سواء لخلطات أو وصفات تبعد المرض عنا أو نصائح من هنا وهناك، وكل السلبيات التي جلبها هذا المرض للعالم الذي تقطعت أوصاله واستنفرت الحكومات للتصدي له، لذلك اخترت في مقالي هذا أن أتحدث عن الإيجابيات التي نعم بها كوكب الأرض بعد أن استراح من أبخرة المصانع وعبث الإنسان، وبعد دعوة الناس للبقاء في منازلهم ومنع التجول الذي تحول إلى منع تجول كامل فرض على المدن للتأكد من عدم مخالطة الناس لبعضهم وانتشار المرض الذي ينتقل بشكل عجيب وسريع.
كورونا لمت شمل الأسرة الواحدة التي ولأول مرة التقى جميع أفرادها هذه المدة الزمنية -التي قد تطول- وتحت سقف واحد جمعتهم نشاطات أسرية متنوعة سواء مشاهدة الأفلام أو فعاليات الطبخ ومشاهدة المقاطع المضحكة التي انتشرت وأبدع فيها الشباب سواء باستقطاعها من مشاهد مسرحية قديمة أو مسلسلات ومنتجتها بشكل مضحك وساخر.
كورونا منحت لأسرنا فرصة للتقارب الأسري والمشاركة في أدق التفاصيل والاطلاع على التحصيل المدرسي للأبناء ومتابعتهم ومساعدتهم في التعليم عن بعد الذي أقرته وزارة التعليم لتمكين الطلبة من التعلم في ظل الظروف الراهنة، أكاد أقول كورونا عرفت الأسرة على بعضها البعض، قربت وجهات النظر التي كانت تبدو مختلفة، خلقت جواً أسرياً دافئاً كان مفقوداً من قبل بسبب بعض العادات التي تعودتها الأسر طويلاً، مثل ذهاب رب الأسرة للاستراحات والأصدقاء بشكل يومي وانشغال الأم بزياراتها، ثم إيغال أبنائنا بالعالم الافتراضي الذي سكنوه بعيداً عن واقعهم ومحيطهم الأسري.
أخبار كورونا جمعت الأسرة التي تتناقش يومياً بمستجدات المرض وعدد المصابين والوفيات ومقارنة الإصابات في دول العالم ومتابعة المدن التي كانت وجهة للسفر ثم أصبحت مدناً للأشباح، كذلك متابعة قرارات الدولة وإدارة أجهزتها المختلفة للأزمة بجدارة واقتدار، ثم المؤتمر الصحافي اليومي الذي أكاد أجزم أنه كان موعداً يومياً لاجتماع الأسر أمام شاشة التلفاز.
كورونا كانت فرصة لتغيير النمط السلوكي الذي تعودناه وإعادة النظر في ترتيب أوضاعنا الأسرية، كما كان أيضاً درساً عظيماً في الوطنية الحقة التي تجلت واضحة في هذه الأزمة وشعر بها المواطن السعودي بكل التفاصيل والقرارات التي اتخذتها الدولة -حماها الله- لأجله سواء كان داخل حدود وطنه أو خارجها، وجعلت منه المواطن الأكثر أمناً ورفاهية حول العالم.